إذاً: قسَّم لنا الناظم رحمه الله تعالى باب (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) إلى نوعين اثنين رئيسين وهما: أفعال القلوب وأشار إليها بقوله: أعْنِي رَأَى وما بعده، وأفعال التصيير وأشار إليها بقوله: وَالَّتِي كَصَيَّرا .. إلى آخره، ولكنه عدد بعض أفعال القلوب وأجمل أفعال التصيير؛ لأن الأول أكثر من الثاني.
إذاً: ينقسم باب (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) إلى قسمين، أحدهما: أفعال القلوب، والثاني: أفعال التحويل.
فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين –جملة-، وسيأتي أنها أربعة أقسام.
ما يدل على اليقين، وذكر المصنف منها خمسة وهو: (رأى وعلم ووجد ودرى وتعلم)، هذه تدل على اليقين، وهو أمر اعتقادي، يعني: لا يقبل الشك.
والثاني منهما: ما يدل على الرجحان، يعني: جواز أمرين أحدهما أظهر من الآخر، فيستعمل في الراجح دون المرجوح مع جواز المرجوح.
إذاً: الاعتقاد ليس فيه رجحان، وأما الرجحان ففيه جواز أمرين أحدهما أرجح من الثاني، وهو شأن الظن لكن بالمعنى الفقهي لا بالمعنى الأصولي، ما الفرق بينهما؟ الظن عند الأصوليين مغاير للظن عند الفقهاء ما الفرق؟ أيهما أعم؟ عند الفقهاء أعم يشمل الشك عند الأصوليين.
إذاً: عند الفقهاء الشك المراد به الظن، "فإن شك في طهارة ماء أو نجاسته" هذا يشمل الظن والشك، فهما سيان؛ وأما عند الأصوليين فلا، الظن ترجيح أحد الأمرين، وأما الشك فهو التجويز مع المساواة، فهما متغايران، فثَمَّ فرق بين الاصطلاحين.
وذكر منها ما يدل على الرجحان ثمانية: "خال وظن وحسب وزعم وعدَّ وحجا وجعل وهب"، نذكرها على ما ذكرها ابن عقيل رحمه الله تعالى مع الأمثلة، تابعوا معنا.
فمثال رأى قول الشاعر: -رأى تأتي بمعنى علم وهو الكثير، هذا هو الأصل فيها أنها تأتي بمعنى علم، فهي دالة على اليقين، اعتقاد جازم في القلب، قال تعالى: ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا)) [المعارج: 6،7] نَرَاهُ قَرِيبًا يعني: نعلمه قريباً، فحينئذٍ جاء ترأى بمعنى علم، قال الشاعر:
رَأَيْتُ اللهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ ... مُحَاوَلَةً وَأَكْثَرَهُمْ جُنُودَا
رَأَيْتُ أي: اعتقدت الله، اعتقدت: فعل وفاعل، لفظ الجلالة منصوب على أنه مفعول أول، أَكْبَرَ: مفعول ثاني وهو مضاف، وكُلِّ شَيْءٍ: مضاف إليه، حينئذٍ نقول: رأى هنا جاءت بمعنى علم وهو يقين، واستوفت فاعلها وهو التاء، ونصبت المبتدأ على أنه مفعول أول لها وهو لفظ الجلالة، ونصبت الخبر وهو أكبر على أنه مفعول ثاني لها، وهي دلت على اليقين.
إذاً: استعمل رأى فيه لليقين، وقد تأتي بمعنى الظن. إذاً: صارت مشتركة بين النوعين، نحن نقول: أفعال اليقين وأفعال الرجحان، (رَأَى) مشتركة إلا أن الغالب فيها أنها لليقين، وغير الغالب أن تكون بمعنى الظن. ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا)) [المعارج:6] يعني: يظنونه بعيداً، و (نَرَاهُ) التي بعدها تكون بمعنى اليقين.
((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا)) أي: يظنونه، وقال بعضهم: يعتقدونه، لكن الشاهد فيه في القول الأول.