وَرَاعِ ذَا: (ذَا) اسم إشارة مفعول به، (التَّرْتِيبَ) بدل أو عطف بيان، التَّرْتِيبَ الرتبة والمرتبة: المنزلة، فمنزلة الاسم مقدمة على منزلة الخبر، ولذلك يعبر النحاة: عاد عليه لفظاً ورتبة، رتبة يعني: منزلة.

ورتب الشيء ثبت وبابه دخل، وأمر راتب أي: دائم ثابت.

وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ يعني: الترتيب السابق، الزمه والتزمه، فقدم الاسم على الخبر كما هو الأصل، فلا تقدم الخبر على الاسم.

وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ أي: المعلوم من الأمثلة السابقة لضعف العمل بالحرفية، وأيضاً قصدوا أن يدلوا على أنها فروع في العمل، وعلى أنها ليست أفعالاً على الحقيقة، فلا يتقدم خبرهن مطلقاً بل ولا يتوسط إلا الظروف والجار.

لا يتقدم الخبر عليها، هذا مقطوع به، ولا يتوسط، فلا يقال: عالم إن زيداً، لا يصح، ولا يصح أن يتوسط، فإذا منع التوسط فالتقدم من بابٍ أولى وأحرى.

إذاً: لا يتقدم خبرهن مطلقاً عليهن، ولا يتوسط إلا ما استثناه الناظم هنا وهو الظرف والجار والمجرور، فحينئذٍ له أن يتوسط بين (إنَّ) واسمها، ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] إن أنكالاً لدينا .. هذا الأصل، ففصل بين (إنَّ) واسمها بالخبر وهو: لَدَيْنَا وهو ظرفه.

((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] عِبْرَةً اسم (إن)، ((فِي ذَلِكُ)) جار ومجرور متعلق محذوف خبر (إنَّ) مقدم على خبرها.

إذاً يستثنى الظرف والجار ولمجرور، لماذا؟ يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما.

إذا توسع فيهما لماذا لم يتقدما على (إن) نفسها؟ نقول: لأنها حروف، والحروف غير متصرفة، فلا تعامل معاملة الفعل المتصرف، فحينئذٍ إذا سمع ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] نقول: الفصل جائز، ولعدم سماع تقدم الظرف والجار والمجرور على (إن) نقول: لعدم سماعه لا يجوز، إذاً يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها -ليست على إطلاقها-، وإنما هي مقيدة بالسماع بما سمع.

وَرَاعِ أي وجوباً، ذَا التَّرْتِيبَ؛ لأنها غير متصرفة، وهو تقديم اسمها وتأخير خبرها وجوباً راعه، وحكم معمول خبرها حكم خبرها، معمول الخبر ما حكمه هنا؟ سبق أنه لا يلي (كان)، وَلاَ يَلِى الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ، أليس كذلك؟ فحينئذٍ هل يلي هنا معمول الخبر (إن)؟ لو قال: إن زيداً قائم عندك، هل يصح أن يقال: إن عندك زيداً قائم؟ الجواب: لا، وإنما يستثنى الخبر نفسه فقط، إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وما عداه فلا على الأصل.

وحكم معمول خبرها حكم خبرها، فلا يجوز تقديمه، وبعضهم استثنى أنه إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً جاز تقديمه قياساً على الخبر، فصحَّح وجوز إن عندك زيداً مقيم، وإن فيك عمرواً راغب.

وأما تقديم معمول الخبر على الخبر دون الاسم فجائز، يعني: إن زيداً عندك قائم، جائز؛ لأنه لم يتقدم على الاسم، وإنما تقدم على الخبر، تقديم معمول الخبر على الخبر لا إشكال فيه دون الاسم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015