فالتعريف أغلبي، و (لَيْتَ) للتمني وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر –أمران-: طلب ما لا طمع فيه، وهذا يكون مستحيلاً عادة: *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً *، نقول: لَيْتَ هنا طمع ماذا -يمكن أو لا يمكن يعود الشباب-؟ عادة لا، والله عز وجل قادر أن يعيد الشباب، لكن في العادة التي جرت عليها السنن الإلهية نقول: لا يعود، *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً*، إذاً طلب مالا طمع فيه، فالأول ما كان مستحيلاً في مجرى العادة، أو ما فيه عسر -يمكن أن يقع وليس بمستحيل في مجرى العادة إلا أنه بعيد فيه عسر-، الفقير ماذا يقول؟ ليت لي مالاً، أو ليت لي جبلاً من ذهب فأتصدق به، نقول: هذا ممكن يكون له جبل مثل الذهب، لكن أين هو؟
ولَعْلَّ للترجي والإشفاق، الإشفاق: هو توقع المخوف، والترجي: هذا يكون في المحبوب، للترجي والإشفاق، الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه وهو توقع المخوف.
وزاد في التسهيل أن لَعْلَّ تكون للتعليل، نحو قوله: ((لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)) [طه:44] هذا للتعليل والاستفهام نحو: ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)) [عبس:3] وتختص لَعْلَّ بالممكن، ولذلك جاء: ((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) [الطلاق:1] هنا لماذا؟ ((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) رجاء وليس للتعليل ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ)) [الكهف:6] هذا للإشفاق.
والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو: ليت زيداً قائم وفي غير الممكن لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً، وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن فلا تقول: لعل الشباب يعود، هذا بعيد، والفرق بين الترجي والإشفاق أن الترجي يكون في المحبوب "لعل الله يرحمنا"، والإشفاق في المكروه "لعل العدو يقدم". هذا في المكروه.
وهذه الحروف تعمل عكس عمل كان فتنصب الاسم وترفع الخبر نحو: إن زيداً قائم، فهي عاملة في الجزأين وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر، وهذا ضعيف؛ لأنه سيكون عندنا عامل ينصب ولا يرفع، وهذا لا نظير له، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول (إن) وهو خبر المبتدئ.
هو لم يكن مبتدأ صار اسم (إن)، وحينئذٍ زال العامل من حيث الوصف لا من حيث الحقيقة، وكذلك في شأن: كان قائماً.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي
هذه الحروف لما كانت فرعاً عن الفعل فحينئذٍ صار العمل فيها ضعيف؛ لأنها إنما أعملت بالحمل، يعني الحمل على غيرها -مشابهتها للفعل لفظاً ومعنى-، حينئذٍ ما كان شأنه كذلك يبقى على أصل الترتيب فلا يتقدم خبره على اسمه، لماذا؟ لضعفها؛ لأنها ضعيفة، وهي لا تتصرف، وكل ما لا يَتَصَرَف الأصل فيه ألا يُتَصَرَف في معمولاته، هذا الأصل، وهذا في باب الحروف.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ -هذا وجوباً-، راعاه: لاحظه، إذاً مأخوذ من الملاحظة لاحظه والتزمه؛ لأنه ذكر لنا الأمثلة بالترتيب كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ، قدم الاسم على الخبر إذاً راع هذا الترتيب، فلا يجوز لك أن تقدم الخبر على الاسم، فلا تقل: إن عالم زيداً، هذا باطل لا يصح.