فالأول مستحسن والثاني واجب والثالث لا ولا، ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر؛ لأنه إذا قلنا أن زيداً عالم، هذا في قوة المفرد؛ لأنها مما يؤول بمصدر، وسبق معنا من الموصولات الحرفية التي تؤول مع ما بعدها بمصدر وهي متفق عليها (أنْ وأنَّ وكي) قلنا: هذا متفق عليه، و (مَا) الظرفية الزمانية، و (لو) هذا مختلف فيه، فحينئذٍ أنَّ إذا قلنا: هي للتوكيد -لتوكيد النسبة يعني الجملة-، هي لا تؤكد مفرداً حينئذٍ نقول: هي للتوكيد التقوية تقوية النسبة ثم هي في نفس الأمر تؤول بمصدر، هذان متعارضان.
أن زيداً عالم، هذا مفرد كلمة واحدة، ولذلك صح أن تأتي في محل الفاعل ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] إنزالنا، فدل على أن (أنَّ) في قوة المفرد فهو كلمة واحدة، فكيف نقول: هي لتقوية النسبة؟ ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر، وهو لا يفيد التوكيد؛ لأن كون الشيء بمعنى الشيء لا يلزم أن يساويه في كل ما يفيده فاندفع ما لأبي حيان، حينئذٍ إذا قيل بأن الشيء شابه الشيء لا يلزم منه المساواة من كل وجه، بمعنى أن الجهة منفكة، فحينئذٍ باعتبار كون مدخول (أن) كما سبق أنها توصل بالجملة الاسمية، بهذا الاعتبار هي مؤكدة، وباعتبار كونها بعد الدخول والتأكيد هي مؤولة بمصدر، فالجهة حينئذٍ تكون منفكة، فلا اعتراض بين هذا وذاك، لا يقال بأنها في قوة المفرد ثم بعد ذلك هي مؤكدة، نقول: اشترطنا فيما سبق أن الذي توصل به (أن) أن يكون جملة اسمية، والجملة الاسمية مركبة من فعل وفاعل، حينئذٍ هذه الجملة بعد دخول (أن) تئول إلى المفرد، ونحن نؤكد قبل التأويل، فحينئذٍ انفكت الجهة.
(إِنَّ وأَنَّ) التوكيد، ومعنى (كَأَنَّ) للتشبيه، -التشبيه المؤكد-؛ لأنها مركبة، ولا تخرج كَأَنَّ عن التشبيه عند البصريين، وزعم الكوفيون أن كَأَنَّ كما تأتي للتشبيه تأتي للتحقيق، وقيل للظن، إذا كان خبرها فعلاً أو ظرفاً أو صفة من صفات أسمائها، وقيل: تأتي للتقريب وقيل: للنفي، والمشهور أنها تأتي للتشبيه، والتشبيه قيل: مشروط بأن كان خبرها جامداً، فإن كان مشتقاً وصفاً أو فعلاً، فالظاهر أنها للظن ليست للتشبيه، ولا بد من التفصيل، ولا بأس أن يكون للحرف الواحد عدة معاني كما سيأتي في حروف الجر.
إذاً كأن للتشبيه مشروط بأن (كان) خبرها جامداً، كأن زيداً أسد، نقول: هنا للتشبيه، كأن زيداً عالم، ليس عندنا تشبيه وإنما هو ظن، نظن ظناً علم زيد، فلا إشكال من التفصيل.
(لَكِنَّ) للاستدراك وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم منه ثبوت، أو إثبات ما يتوهم منه نفي، وقيل رفع التوهم ليس لازماً للكن بل هو أغلبي؛ لأنه قد يأتي بعض التراكيب ليس فيه استدراك.
بل هو أغلبي فقط؛ لأنها قد لا تكون لرفع التوهم، زيد قائم لكنه ضاحك، ليس عندنا استدراك هنا، إذاً هو أغلبي.