إذا قلت: إن زيداً عالم (إن) هذا عامل نصب زيداً فهو اسمها، (عالم) -أخبرت بالعلم إثبات العلم- لـ (إن) أو لمدخولها؟ الثاني، كيف نقول خبر (إن)؟ من باب التوسع وإلا هو خبر اسم (إن)، وإلا هذا ليس بالصحيح أن يقال: خبر (إن)؛ لأن (إن) حرف ولا يخبر عن الحروف وإنما يخبر عن الأسماء.
كَإِنَّ نقول هذا حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
زَيْدَاً اسم (إن) منصوب بها.
عَالِمٌ خبر (إن) مرفوع بها على الصحيح، نَصْبُ اسمِ (إن) بـ (إن) متفق عليه بين البصريين والكوفيين، وأما (عالم) فالصحيح أنه مرفوع بـ (إن)، وذهب الكوفيون إلى أنه مرفوع بما رفع به قبل دخول (إن) كما قالوا في اسم (كان)، والصواب أنه مرفوع بـ (إن).
بِأَنِّي كُفْءٌ أي مثلٌ، الباء هذه حرف جر، وأني (أن) هذه فرع (إن) والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم أن، وكفءٌ هذا خبرها وكلاهما معمولان لـ (أَنِّي).
وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ يعني حقد وعداوة.
وَلَكِنَّ: لَكِنَّ حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
ابْنَهُ ابْنَ هذا اسم لَكِنَّ، منصوب بها ونصبه فتحة ظاهرة على آخره وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
ذُو ضِغْنِ: ذُو يعني صاحب، إذاً هو من الأسماء الستة فهو خبر (لَكِنَّ) مرفوع بها ورفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة.
وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ (ذو) مضاف و (ضغن) مضاف إليه.
إذاً أشار بهذه الأمثلة الثلاثة إلى أن هذه العوامل تدخل على زيد وهو اسم ظاهر وأني هذا ضمير، وابنه هذا مضاف ومضاف إليه وهو في الأصل نكرة.
ثم عملت الرفع على الأصل في عالم وهو بالضمة، وعملت الرفع في ذو على الفرعية وهو الواو.
وقس على هذه الأمثلة ما يقال في (لعل) و (ليت) و (كأن) وقس الباقي على ما ذكر، وهذه كما ذكرنا اللغة المشهورة وهناك من ينصب الجزأين لكنه محفوظ.
قال ابن عقيل: هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء وهي ستة أحرف.
إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل وعدها سيبويه خمسة بإسقاط أن المفتوحة؛ لأن أصلها إن المكسورة كما سيأتي.
ومعنى إن وأن التوكيد، ولذلك قلنا: هي أشبهت الفعل من جهة المعنى، إن زيداً عالم، معناه: أؤكد علم زيد، ولذلك قيل، هذه الكلمة أقيمت مقام جملتين أو ثلاث، الأصل: زيد عالم .. زيد عالم .. زيد عالم التأكيد إنما يكون بالتكرار فحذفت الجملتان الثانية والثالثة من باب الاختصار، وأُكِّدَ النسبة التي بين زيد وعالم بقولنا: (إن)، فـ (إن) هذه للتوكيد أي تقوية النسبة وتقريبها في ذهن السامع إيجابية كانت أو سلبية على الصحيح، وتوكيد النسبة تارة يكون لدفع الشك فيها، وتارة يكون لدفع إنكارها، وتارة يكون لا ولا، يعني لا لهذا ولا لذاك .. يعني متى تؤكد؟ إما لخال الذهن، هذا الأصل فيه أنه لا يؤكد له، وإما لمتردد وهذا يؤكد له استحساناً، وإما لمنكر وهذا يؤكد له وجوباً، ومر معنا هذا بحثه فيه في البلاغة.