فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبراً لـ (إن) وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، ولذلك قال قائل:
إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ ... لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا
إن الذين: الذين هذا اسم (إن)، لا تحسبوا: طلبية لا تحسبوا طلب، وقع خبره.
إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ: مقول في شأنهم لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ لا بد من التأويل، إذاً كل ما وقع خبراً وهو جملة طلبية أو إنشائية، حينئذٍ نقول: هو معمول لعامل محذوف، وذلك العامل هو الخبر.
عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ بمعنى أنها تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبر لها.
سمع نصب الجزأين في لغة، فهل هو لغة معتبرة، أم أنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؟ لا شك أنه الثاني.
إِذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولَتَكَنْ ... خُطَاكَ خِفَافاً إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا
إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا: (إن) حرف توكيد ونصب، حراسنا اسم (إن) منصوب، أسداً هذا منصوب، والأصل أنه يقول: أسد بالرفع على أنه خبر (إن).
هل نقول يجوز الوجهان الرفع والنصب لخبر (إن)، أم نقول المطرد الأصل هو الرفع وما جاء كذلك حينئذٍ يؤول؟ لا شك أنه الثاني.
إن حراسنا يشبهون أسداً: فأسداً هذا مفعول به لفعل محذوف، والفعل المحذوف هو خبر (إن)، فإذا جاء مثل هذا التراكيب حينئذٍ لا بد من التأويل، إذاً كل ما جاء مما نسب إلى بعض العرب أنه ينصب الجزأين نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، بل يعتبر شاذاً ولا يخرج عليه، ولذلك نقول: إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسولَ الله، نقول: لا يصح، أشهد أن محمداً رسولَ .. أين الخبر؟ لم يأت الخبر، فالكلام هنا ليس مركباً بل هو كلمة واحدة أشهد أن محمداً رسولَ الله، لا بد أن يقول رسولُ، تخريجه على هذه اللغة لا، ليس بجيد.
إذاً نقول:
لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ ... كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
عكس الذي استقر لكان الناقصة من عمل، وهو أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، العكس هو نصب المبتدأ ورفع الخبر.
لإِنَّ بالكسر هنا (إِنَّ) وهي أصلية ثلاثية.
وأَنَّ هذه فرعي عنها، ولذلك عدها بعضهم خمسة لا ستة، لم يعدها سيبويه، لأنها فرع (إِنَّ)، (أَنَّ) بالفتح فرع (إِنَّ).
وقيل: (أَنَّ) أصل، وإن فرع، وقيل كل منهما أصل، أقوال ثلاثة، لكن المشهور عند جماهير النحاة أن (أَنَّ) فرع (إِنَّ)، إذاً عدها سيبويه خمساً بإسقاط (أَنَّ) المفتوحة؛ نظراً إلى كونها فرع المكسورة، قد يقال بأن كَأَنَّ هي (أَنَّ)، إذاً نعدها أربعة، (إِنَّ) أصل فرعها (أَنَّ) فرعها (كَأَنَّ) لأن (أَنَّ) هي الأصل، وزيدت عليها الكاف فقيل: (كَأَنَّ) إذاً كأن فرع (أَنَّ).