فهذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيه حذف المبتدأ كما لا تدخل على مبتدئ لا يخرج عن الابتدائية مثل ما التعجبية، كما لا تدخل على مبتدئ يجب له التصدير، أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا ضمير الشأن، فإنه له الصدارة وحينئذٍ تدخل عليه كان الشأنية، كان الناس صنفان، كان هو، أو كانهُ .. إذاً صح دخول كان على ضمير الشأن مع كون ضمير الشأن له الصدارة في الكلام.
كذلك هنا في باب (إن) يجوز دخولها على ضمير الشأن، وسيأتي هناك وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ الذي هو ضمير الشأن، فحينئذٍ نقول: دخولها على ضمير الشأن مستثنى من منع دخولها على ما له الصدارة في الكلام.
ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن فإنه مما يجب تصديره وقد دخلت عليه (إن) إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً (إن) من، من هذه بمعنى الذي من يدخل الكنيسة يوماً، (من) شرطية فدخلت عليها (إن)، فحينئذٍ نقول: لا بد من التقدير فنجعل اسم (إن) ضمير الشأن، وليس اسم الاستفهام؛ لأن اسم الاستفهام لا تدخل عليه (إن) البتة، فحينئذٍ يصير لنا ضمير الشأن كالوسيلة والمفر الذي نلجأ إليه إذا وجد شيء مما يمتنع دخول كان عليه أو (إن) عليه، فنقول مباشرة اسمها ضمير الشأن محذوف، وما امتنع دخول (إن) أو (كان) عليه نقول: هذا هو جملة الخبر.
إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً ... يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ
حينئذٍ نقول: كل ما صح دخول (كان) عليه يلزم ذلك الحكم في (إن) وأخواتها، فلا تدخل على ما امتنع دخول (كان) عليه، لماذا؟ لأنه قال: كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، والعمل هذا فرع صحة ما دخلت عليه (كان)؛ لأن (كان) لا تدخل على أي مبتدئ، إذا صح دخولها صح عملها، وإذا لم يصح دخولها (لم) يصح العمل، فحينئذٍ كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، لا بد أن يكون مقيداً بماذا؟ بما صح دخول (إن) عليه، ويستثنى من المبتدءات تلك التي ذكرناها.
وكذلك من جهة الخبر، فالخبر لا يقع هناك جملة طلبية زيد اضربه، قلنا: زيد هذا لا مانع من دخول (كان) عليه، لكن يمتنع في هذا التركيب أن تدخل (كان)، لماذا؟ لكون الخبر جملة طلبية، كذلك الحكم هنا إن زيداً اضربه، نقول هذا ممتنع، وكذلك الجملة الإنشائية نعم وبئس، لا تدخل عليهما إن، ولو كان خبراً، لماذا؟ لأن الإنشاء شيء لم يقع .. شيء غير واقع، و (إن) الأصل فيها أنها للتقوية تقوية النسبة يعني التأكيد كما سيأتي، فحينئذٍ يمتنع أن يؤكد شيء لم يقع.
ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون فيها الخبر طلبياً أو إنشائياً حينئذٍ يرد قوله تعالى: ((إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [التوبة:9] سَاءَ هذا مثل بئس تعمل عملها ملحقة بها، إنهم (إن) هذا حرف توكيد نصب، والهاء اسمها وساء الجملة خبر، وكذلك قوله: ((إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)) [النساء:58] وحينئذٍ نعم نقول هذه إنشاء أم خبر؟ إنشاء، وقع الإنشاء خبراً لـ (إن) ما جوابه؟ نحن نمنع هذا وقد وقع في القرآن، نقول: الخبر محذوف هنا، وإنما هو قول ويصير ما ذكر من ساء ونعم معمولان لذلك القول المحذوف.