لَكِنْ نَدَرْ: يعني قل، أو إن شئت قل: شذ غَيْرُ مُضَارِعٍ خبراً لهذين. لهذين المراد بهما: كان وكاد وعسى، لكن هل الحكم خاص بهما؟ لا، بل الجواب أن الحكم عام.
لِهذَيْنِ: وأخواتهما من أفعال الباب، فالحكم عام وليس خاصاً بكاد وعسى.
إذاً: نأخذ من هذا البيت أمرين:
الأول: أن كاد وأخواتها تعمل عمل كان، فتدخل على المبتدأ والخبر، والمبتدأ يكون مرفوعاً اسماً لها، وحينئذٍ يكون الرفع ظاهراً أو مقدراً بحسب آخر الاسم، وتنصب الخبر وحينئذٍ يكون الخبر في الأصل منصوباً.
ثم الأمر الثاني: أن يكون الخبر معيناً، بمعنى أنه ليس ككان يكون جملة فعلية وجملة اسمية ماضوية، مضارعية، ظرفاً أو جاراً ومجرور، بل هو معين في جزئية واحدة وهي أن يكون مضارعاً، وحينئذٍ إذا قلنا: الخبر يكون فعلاً مضارعاً فالنصب يكون محلاً لا ظاهراً، والذي يدل على أن النصب محل في المحل: التصريح بالاسم المفرد وقد ظهر عليه النصب، وسبق قاعدة معنا: أن المطرد في لسان العرب إذا كان خلاف الأصل فحينئذٍ لا بد وأن تأتي فلتة من شاعر ونحوه يصرح بالأصل المهجور، ولذلك يقال: هذه الكلمة ضرورة، فيها تنبيه على أصل مهجور، وهنا الأصل ما هو؟ إذا قلنا باب كاد وأخواتها محمول على باب كان، إذاً الأصل في خبر كاد أن يكون جملة فعلية وجملة اسمية، هذا هو الأصل أن يكون الخبر مثله، فحينئذٍ لما اختص ببعض أفراد خبر كان هل هو في محل نصب أم لا لأنه لا يظهر، قد يوقع في لبس، هل هي بالفعل ملحقة أم لا؟ فحينئذٍ جاءت كلمة أو كلمتان من بعض الشعراء صرح بالخبر وهو مفرد وقد ظهر عليه النصب، فدل على أن هذا الباب بالفعل ملحق بباب كاد، وأن التصريح بالاسم المفرد في بعض المفردات وما نطق به بعض الشعراء حينئذٍ يكون تنبيهاً على هذا الأصل المهجور. تنبه لهذا.
كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ
قوله: غَيْرُ مُضَارِعٍ: يصدق بالجملة الاسمية، والماضوية، وهما لم يخبر بهما عن كاد وعسى بالكلية، وظاهر النظم يوهم ورودهما خبراً عنهما.
ونَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير المضارع ما هو غير المضارع؟ الجملة المفرد والماضوية والجملة الاسمية، هل بالفعل سمع في لسان العرب التصريح بالخبر كونه جملة اسمية، أو كونه جملة ماضوية ومفرداً؟ الأكثر على النفي أنه لم يسمع إلا مفرداً، ولذلك السيوطي في الشرح -شرحه على الألفية- قال: وغير مضارع أي مفرد ندر، يعني: ندر سماع غير المضارع ولم يسمع إلا الاسم المفرد فقط، كما سيأتي. ولكن الصواب: أنه سمع جملة اسمية وهو مع جعل. قال الشاعر:
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهَيلٍ ... مِنَ الأَكوارِ مَرْتَعُهَا قَرِيبُ
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ، قَلُوصُ هذا اسم جعل، وجعل هذه من أفعال الشروع، جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ.
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهيل ... مِنَ الأكوارِ مَرْتَعُهَا قَريبُ
مَرْتَعُهَا قَريبُ: مبتدأ وخبر في محل نصب خبر جعل، وقد جاء جملة اسمية لكنه شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وأما التصريح به اسماً فقد جاء قوله في خبر عسى:
أَكْثَرْتَ فِي الْعَذْلِ مُلِحًّا دَائِمَا ... لاتُكْثِرَنْ إِنِّي عَسَيْتُ صَائِما