عَسَيْتُ صَائِما: عسى هذا من أفعال الرجاء، فهي من أخوات كاد، وحينئذٍ تختص بالمبتدأ والخبر، فتدخل على المبتدأ فترفعه على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه خبر لها في محل نصب، لأن الأصل فيه أن يكون جملة فعلية، وهنا جاء صائماً: مفرد، دل على أن الأصل في الخبر الذي يكون في هذا المحل أنه منصوب، وحينئذٍ نقول: عسى زيد أن يقوم، عسى زيد: زيد هذا اسم عسى. أن يقوم: هذا نقول: خبر في محل نصب. قد يبقى الإنسان في شكك بالفعل هذا في محل نصب أو لا؟ نقول: نعم، في محل نصب بدليل ماذا؟ لأن هذا اللفظ: أن يفعل، أن يقوم وإن كان هو الأصل المطرد إلا أنه دل على أن النصب محلاً قوله: عَسَيْتُ صَائِما، فصائماً هذا وإن كان اسماً مفرداً شاذاً التصريح به إلا أنه دل على تأكيد محل أن يقوم من قولك: عسى زيد أن يقوم.
إذاً عَسَيْتُ صَائِما: تنبيه على الأصل لئلا يجهل، فأجري عسى مجرى كان فرُفع بها الاسم ونصب الخبر، وجاء بخبرها اسماً مفرداً.
إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير مضارع وهو الاسم المفرد، أنه جاء مصرحاً به في باب عسى، حينئذٍ نقول: إني عسيت صائماً، صائماً هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وندر مجيئه اسماً بعد عسى وكاد.
فَأبتُ إِلى فَهم ومَا كِدْتُ آئِباً ... وَكمْ مِثلِهَا فَارَقتُها وهِي تَصفِرُ
ومَا كِدْتُ آئِباً: اسم فاعل وهو خبر كاد، والتاء هذه اسمها. إذاً: جاء التصريح به لماذا؟ أولاً: نقول: التصريح بالاسم المفرد منصوباً هنا شاذ، وعبر عنه المصنف بكونه نادراً، ولذلك ابن عقيل قال: وندر مجيئه اسماً، وعبر غيره بكونه شاذاً.
ومَا كِدْتُ آئِباً: نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. تنبيهاً على أصل مهجور متروك، إذ أن سائر أفعال هذا الباب مثل كان في الدخول على مبتدئٍ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفرداً وجملة اسمية وفعلية وظرفاً، فترك الأصل والتزم كون الخبر مضارعاً، ثم نُبِّه على لأصل شذوذاً في مواضع معدودة تحفظ ولا يقاس عليها.
إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: المراد بغير المضارع هنا: الاسم المفرد جاء مصرحاً به خبراً لعسى وخبراً لكاد، وجاء كذلك الجملة الاسمية مصرحاً بها في خبر جعل على الصحيح، وإن كان كثير أنه لم يسمع الجملة الاسمية، الماضوية لم يسمع أنه صرح بخبر لكاد أو عسى وهو جملة ماضوية، وأما المضارعية فهي الأصل في كونها خبراً لكاد وعسى.
أفعال هذا الباب تعمل عمل كان، فترفع المبتدأ اسماً لها، وتنصب الخبر خبراً لها. ويدل على ذلك مجيء الخبر في بعضها منصوباً وإن كان شاذاً تنبيهاً على أصل مهجور.
ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، إذا كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن) لا خلاف أنه هو الخبر. أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو، يحدو هذا خبر، لماذا؟ لأنه بدون (أن)، هذا ليس فيه خلاف بين النحاة لا بصريين ولا غيرهم.
ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، أما المقرون بها وقع فيه خلاف، يعني: عسى زيد أن يقوم، أن يقوم هل هو خبر أم لا؟ هذا محل نزاع.