((فَطَفِقَ مَسْحًا)) [ص:33] طَفِقَ، هذا سبق معنا أنه من أفعال الشروع، وحينئذٍ: طَفِقَ مَسْحًا، طَفِقَ هو مسحاً، هل مسحاً هذا خبر؟ نقول: لا بد من التأويل، لأنه تقرر أنه لا يقع خبر طفق وأخواته إلا فعلاً مضارعاً، وهذا جاء نصاً في القرآن: ((فَطَفِقَ مَسْحًا)) فَطَفِقَ يمسح مَسْحًا، فمسحاً هذا ليس هو الخبر حتى نقول شذ، جاء في القرآن ما هو شاذ، لا. نقول: هذا المذكور المنصوب ليس هو الخبر، وإنما هو مفعول مطلق لعامل محذوف، العامل هو الذي وقع خبراً وهو الجملة فعلية. فَطَفِقَ يمسح مَسْحًا، وهذا واضح من أجل أن تطرد القواعد.
وأما توسط الخبر فجائز باتفاق إذا لم يقترن بـ (أن) -يعني في باب كاد- توسط الخبر فجائز باتفاق إذا لم يقترن بـ (أن)، وعلى أحد القولين إذا لم يقترن بـ (أن)، يعني فيه خلاف، قيل: يتوسط. وقيل: لا.
ولما كانت عبارة المصنف توهم عمل (كاد) في كل ما تعمل فيه (كان) دفع ذلك بالاستدراك، فقال: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ
لَكِنْ نَدَرْ أن يجيء خبر وهو غير مضارع.
غَيْرُ مُضَارِعٍ: لا بد من التقدير، غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير جملة فعل مضارع، لأن الخبر ليس الفعل فقط، أي: جملة بحسب الصورة الظاهرة، لماذا بحسب الصورة الظاهرة؟ لأنه سيأتي أن بعضها ما يشترط فيه (أن) -لا يتجرد عنه-، وبعضها يشترط فيه ألا يتصل أو يقترن به (أن)، حينئذٍ ما جاء اتصل به (أن)، (أن) وما دخلت عليه بتأويل مصدر، والمصدر مفرد، وحينئذٍ كيف نقول بأن الخبر يكون جملة ونشترط (أن) في بعض المواضع، و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر والمصدر مفرد هذا تناقض، نقول: لا، المراد هنا اشتراط الفعلية أو الجملة الفعلية باعتبار الصورة المحسوسة الذي ينطق، لا باعتبار بما تؤول إليه. النظر هنا إما أن ينظر إلى الفعل من حيث هو -الصورة المحسوسة المنطوق بها-، وإما أن ينظر إليه باعتبار ما تؤول إليه.
إن نظرنا باعتبار ما تؤول إليه حينئذٍ لا يصح أن نقول: ولَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ؛ لأنه في الحقيقة أن ما كان متصلاً مقترناً بـ (أن) ليس هو فعل المضارع، بل هو مصدر والمصدر مفرد، حينئذٍ كيف الانفكاك عن هذا التناقض؟ نقول: المراد باشتراط كونه غَيْرُ مُضَارِعٍ، غَيْرُ الجملة فعل مضارع في الصورة المحسوسة، يعني التي ينطق بها، وليس لك بما تؤول إليه هذه الجملة.
وإن نازع بعضهم في كون هذه (أن) الداخلة على الفعل أنها تؤول بالمصدر، والسيوطي مشى على هذا قال: لا نسلم .. يقول: (أن) مصدرية لكن لا تؤول بمصدر، وهذا عجيب، لكن الغريب أنه سار على هذا.
فالشاهد: أن (أن) هذه نقول: مصدرية قطعاً، وإذا حكمنا عليها بأنها مصدرية لا بد وأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، والأكثر على هذا، فحينئذٍ دفعاً لهذا الاعتراض نقول: المراد بالجملة هنا ولو في الصورة الظاهرة المحسوسة، إذ أن الخبر إذا اقترن بـ (أن) خرج إلى المفرد.
لَكِنْ نَدَرْ: يعني أن يجيء.
غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير جملة فعل مضارع لِهذَيْنِ خَبَرْ.
لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ: خبراً حال من فاعل ندر، وغَيْرُ هذا فاعل ندر.