بقي: كَانَ كَكَادَ، كَادَ كَكَانَ، في ماذا؟ في مطلق الأحكام أو في الأحكام المطلقة. إذا قلت: في الأحكام المطلقة معناه: كل الأحكام التي مضت حينئذٍ هي موجودة في باب (كاد)، وإن قلت: في مطلق الأحكام فحينئذٍ صار في الجملة، وقد يخالف في البعض، الثاني هو المراد، أن المثلية هنا ليست مثلية مطلقة من كل وجه، بل من بعض الوجوه.
كَكَانَ كَادَ يعني: فيما تقدم من العمل، كَكَانَ فيما تقدم من العمل كَادَ وَعَسَى لا في كل أحكامها، وإن كانت مطلقة المثلية تحمل على هذا لكن ليس هذا مراد الناظم، ولذلك استدرك فقال:
لَكِنْ:
هذا استدراك برفع ما يتوهم ثبوته، وهو أن ما قبل لكن قد يوهم أن كاد وكان مستويان من كل وجه في الأحكام، وحينئذٍ يلزم أن يكون خبر كاد مفرداً وجملة فعلية وجملة اسمية وظرفاً وجاراً ومجرور وهذا ممتنع في باب كاد، وحينئذ: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ هذا استثناء واستدراك بأن كَادَ كَكَانَ المراد بها في العمل، في أنها تدخل على الجملة الاسمية مبتدأ وخبر، وأنها ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، والخبر له حكمه وهو مستثنىً من الأحكام التي تعلقت بـ (كان)، ولذلك قال:
لَكِنْ نَدَرْ
... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهَذَيْنِ خَبَرْ
إذاً: كَادَ كَكَانَ في العمل الذي تقدم ذكره:
تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا اسْمَاً وَالْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ ... فحينئذٍ ترفع (كَادَ) الاسم لفظاً أو تقديراً، وتنصب الخبر محلاً لا ظاهراً كـ (كَانَ)، (كَانَ) نصبها للخبر لفظاً، كان زيد قائماً، ولكن لما كان الأصل في باب (كاد) أن يكون خبرها جملة فعلية: لَكِنْ نَدَرْ .. غَيْرُ مُضَارِعٍ يعني: شذ، مقصوده بالندارة أو الندور هنا الشذوذ، شذ مجيء غير فعل مضارع خبراً لكان وكاد وسائر أخواتها، فليس الحكم خاصاً بهذين الفعلين، حينئذٍ لما تعين أن يكون الخبر فعلاً تعذر أن يكون النصب ظاهراً، هذا واضح بين. وحينئذٍ من المخالفة في باب كاد لكان: أن كان تنصب الخبر لفظاً، وقد يكون محلاً كالجملة الفعلية والجملة الاسمية إذا وقعا خبرين، وكذلك المتعلق الجار والمجرور والظرف.
وأما باب كاد وأخواتها لا، يتعين أن يكون النصب محلاً، وإذا جاء النصب لفظاً ظاهراً فحينئذٍ يقال فيه: إنه شاذ، ولأن ذلك لا يكون إلا في الاسم المفرد، فإذا صرح بخبر كاد وعسى بالاسم المفرد، حينئذٍ نقول: هذا شاذ، وعليه يظهر فيه النصبُ.
إذاً: كَكَانَ كَادَ فيما تقدم من العمل لا في كل أحكامها، فإن من المخالفة بين البابين ما ذكره الناظم في قوله: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ كما سيأتي.
ومن المخالفة -هنا-؛ فإن الخبر لا يتقدم هنا في باب كاد، بخلافه في باب كان، فثمَّ فروق بين البابين، فإن الخبر لا يتقدم هنا، ويجوز حذفه إن عُلم، بخلافه في باب كان في المسألتين على خلاف سبق، هل يجوز حذف خبر كان أو لا!