هنا انتقل إلى بيان حال الخبر مع كان ومع اسمها.
وَفِي جَمِيعِهَا يعني: جميع هذه الأفعال حتى ليس ودام، أطلق الناظم هنا في جميع هذه الأفعال حتى دام وليس.
وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ بينها وبين الاسم، إذا قيل: توسط الخبر فالمراد به ألا يتقدم على الفعل، وألا يبقى في محله، بل المراد به أن يقع بين العامل والمعمول، فحينئذٍ توسط الخبر قال: أَجِزْ، وأجز في جَمِيعِهَا في جميع الأفعال حتى (ليس) و (دام) تَوَسُّطَ الْخَبَرْ.
فالمراد هنا توسط أخبارهن جائز مطلقاً حتى في (دام) و (ليس).
قال الشارح: مراده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه، وهذا كما ذكرناه أن ما وجب هناك فهو واجب هنا، يعني ما وجب تقديمه هناك وجب تقديمه هنا، وما وجب تأخيره هنا قبل دخول كان فهو واجب تأخيره هناك.
فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك كان في الدار صاحبها، هذا قبل دخول كان الخبر واجب التقديم في الدار صاحبها، لماذا؟ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حينئذٍ وجب تقديمه من أجل أن يعود على متأخر رتبة لا لفظاً.
إذا دخلت كان على مثل هذا التركيب وجب التزامه كما هو، فتقول: كان في الدار صاحبها، فصاحبها هذا اسم كان، وفي الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائناً، إذا قدرت تقدر باعتبار المحل، هناك قدرناه كائنٌ زيد في الدار زيد كائنٌ بالرفع، وهنا تقول: كان في الدار صاحبه كائناً بالنصب؛ لأنه خبر، فقلنا الصحيح أن المتعلق هو الخبر وحده، والمتعلق هذا قيد فيه، وحينئذٍ الخبر خبر كان منصوب تقول: كائناً في الدار، ولا تقدره مرفوع كائن هكذا وتسكت! لا، كائناً بالنصب.
فلا يجوز هاهنا تقديم الاسم على الخبر؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم قولك: كان أخي رفيقي.
(كان أخي رفيقي) كيف نعربها؟
(كان) فعل ماضي، (أخي) اسم كان مرفوع، (رفيقي) خبر كان، هل يجوز التقديم والتأخير؟
لا يجوز.
لماذا؟ للبس؛ لأنه لا يتبين من اللفظين أيهما الاسم وأيهما الخبر، إذاً كان صديقي عدوي نقول: لا يتقدم ولا يتأخر، كذلك إذا كان الخبر محصوراً ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً)) [الأنفال:35] مُكَاءً هذا بعد إلا، إذاً محصوراً فيه، إذاً لزم التأخير.
أين كان زيد، هذا واجب التقديم؛ لأن كان قلنا لا تدخل على اسم الاستفهام، هذا خبر (أين)، وزيد هذا اسمها.
هل كان زيد صديقَك، هنا لا يجوز أن يتقدم على هل، ولا أن يُفصل بينهما.
وما عدا ذلك مما يمتنع تقديمه أو يجب تأخيره حينئذٍ نقول: الأصل الجواز، أنه يجوز أن يتوسط الخبر بين (كان) وبين اسمها.
((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا) (نَصْرُ) هذا اسم كان، و (حَقًّا) هذا خبره، فتوسط بين هذا وذاك، وهذا أيضاً يؤخذ من المثال السابق كَكَانَ سَيِّداً عُمَرْ، عمر هذا اسم كان، وسيداً هذا خبره توسط بين الفعل والفاعل.
ومثال ما توسط فيه الخبر قولك كان قائماً زيد، ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47].