((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)) [البقرة:177] (الْبِرَّ) هذا خبر، و (أَنْ تُوَلُّوا) هذا اسمها مؤخر.
وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور.
أما خبر (ليس) فهذا بعضهم نقل فيه خلاف، والصواب أنه يجوز التوسط، وقد سمع:
سَلِى إِنْ جَهِلتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهمُ ... فَلَيسَ سَواءً عَالمٌ وجهُولُ
وذكر ابن معطي أن خبر دام لا يتقدم على اسمها، وهذا محجوج بالسماع:
لاَ طِيبَ لِلعَيشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ... لذَّاتُهُ بادِّكارِ الشَّيْبِ والهَرَمِ
لا طِيبَ لِلعَيشِ ما دامتْ مُنَغَّصَةً فقدم الخبر هنا منغصة على لذاته فدل على جواز الأمرين.
وفي جميعها توسط الخبر أجز، قيل: إجماعاً حكي الإجماع، مع أنه ثم خلاف في ليس ودام، لكن حكي الإجماع لأنه لم يلتفت إلى مخالفة ابن معطي ولا غيره.
لقوله: ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] وفي قراءة من نصب: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا)) [البقرة:177]
وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ ,يعني كل من العرب، أو النحاة حضر سبقه، يعني سبق الخبر دام.
يفهم منه أن ما عدا دام يجوز أن يتقدم على الفعل في أول البيت - وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ - الكلام على تقدم الخبر على الاسم دون الفعل، والآن انتقل إلى مسألة وهي: تقدم الخبر على الاسم والفعل معاً.
إذاً هذه مسألة ثانية وليست كالمسألة الأولى، المسألة الأولى توسط الخبر بين الفعل والاسم ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] حينئذٍ هل يجوز أن يتقدم على الفعل نفسه؟ نعم، وكل سبقه حظر، وكل حظر سبقه دام، دل على أنه يجوز في غير دام، وأما دام فهذا محل نزاع، وكذلك ليس.
يجوز تقديم أخبار هذا الباب على الأفعال إلا (دام) و (ليس) والمنفي بـ (ما) وهذا سينص عليه الناظم، إلا دام وليس، دام ذكرها هنا وليس سيأتي في الص؟؟؟.
والمنفي بـ (ما) كذلك سيأتي تفصيله، فأما (دام) فحكي الاتفاق عليه؛ لأنه مشروطة بدخول (ما) المصدرية الظرفية، والحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله
كَأعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيْبَا دِرْهَمَا، مصيباً ما دمت، هذا ممنوع باتفاق، لا يتقدم خبر ما دام على ما ودام معاً، وهذا محل وفاق، وأما أن يتقدم عليها دون ما فهذا محل نزاع، صوبه الشارح وغيره.
إذاً: فأما دام فحكي الاتفاق عليها لأنها مشروطة بدخول (ما) المصدرية الظرفية، والحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله، ودليل الجواز هو قوله تعالى: ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) [سبأ:40] وجه الاستدلال ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ)) [سبأ:40] (إِيَّاكُمْ) هذا مفعول ليعبدون، ويَعْبُدُونَ هذا الخبر، قالوا: تقدم معمول الخبر يؤذن بجواز تقدم الخبر نفسه ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) (كَانُوا) الواو هذه اسم كان، و (يَعْبُدُونَ) الجملة في محل نصب خبر.