فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي، وذلك هو المضارع ((وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) [البقرة:143] يَكُونَ هذا منصوب بما قبله، ((وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) الرَّسُولُ اسم يكون، وشَهِيدًا هذا خبرها، عملت يكون عمل كان وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ
((كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)) [النساء:135] كُونُوا هذا أمر، نقول: فعل أمر مبني على حذف النون كُونُوا مثل قوموا مبني على حذف النون، والواو اسمها ((كُونُوا قَوَّامِينَ)) هذا خبرها منصوب بالياء، ((قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا)) [الإسراء:50]، واسم الفاعل زيد كائن أخاك، كيف صرح هنا ونحن قلنا: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أَوْاسْتَقَرّْ، وهنا يصرح بكائن؟ هذاك في المتعلق، هنا مقصود لفظه عينه ونفسه.
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائناً ... أَخَاكَ إِذَا لم تُلفِهِ لك مُنجِدَا
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبدي البَشَاشَةَ كائناً أَخَاكَ، (ما) هذه حجازية، (كل) اسمها، (من يبدي) كل مضاف و (من) مضاف إليه اسم موصول، (يبدي) صلة الموصول لا محل له من الإعراب، (كائناً) خبر ما، واسمها ضمير مستكن كائناً هو، أخاك خبرها منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الستة.
إذاً: كائناً اسم فاعل وهذا يدل على أنها من باب فعل، لا من باب فعُل، فحينئذٍ هو اسم فاعل وعمل عمل كان، كائناً أخاك، والمصدر كذلك والصحيح أن لها مصدر
بِبَذْلٍ وحِلمٍ سَادَ في قَوْمِهِ الفَتى ... وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ
وكَوْنُكَ هذا مبتدأ، وهو مضاف والكاف مضاف إليه.
إيَّاهُ خبرها، عَلَيكَ جار ومجرور متعلق بـ: يَسِيرُ.
يسير خبر كون.
(كون) لها اعتباران الآن: هي مبتدأ، وهي من مادة كان، نعربها مبتدأ على الأصل قبل دخول كان –لم تدخل كان هنا- (كون) مبتدأ، إذاً تطلب خبر مثل زيد قائم، ثم هي في نفس الوقت تطلب خبراً واسماً، إذاً لها جهتان: تطلب خبرين .. الكلمة هذه كونك تطلب خبرين: خبر من حيث كونها مبتدأ وهو يسير، يسير خبر المبتدأ وليس خبر الكون، وكون يطلب اسماً وهو الكاف، فالكاف هنا لها محلان: محل جر باعتبار كونها مضافاً إليه ومحل رفع باعتبار كونها اسماً لكون.
إيَّاهُ (إيَّا) هذا هو خبر الكون، إذاً كون له خبران يسير وإيا، لكن باعتبارين: باعتبار كون الكون مبتدأً يطلب خبراً وهو يسير، وباعتبار كونه وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، حينئذٍ نقول لها: خبر وهو إيَّاهُ.
وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ وما لا يتصرف منها وهو دام وليس، وما كان النفي أو شبهه شرطاً فيه وهو زال وأخواتها لا يستعمل منه أمر ولا مصدر.
إذاً:
وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ
المراد بهذا البيت أن الحكم وهو رفع المبتدأ على أنه اسم لها أو نصب الخبر على أنه خبر لها ليس خاصاً بالفعل الماضي منها، بل كل ما جاء منها من أمر أو مصدر أو مضارع أو اسم فاعل فالحكم له سيان، وقد جاء في القرآن ويكفي في إثبات هذا الحكم
وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ ... أَجِزْ وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ