بهذه الشروط الثلاثة يجوز أن يكون النفي مقدراً، ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) أي لا تفتأ ولا يحذف النافي معها قياساً إلا بعد القسم كما في الآية، وكذلك أن يكون مضارعاً –فعل- وأن يكون لا على جهة الخصوص، وقد شذ الحذف بدون القسم:
وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي ... بِحَمْدِ اللهِ مُنْتَطِقاً مُجِيدَا
أَبْرَحُ هذا فعل مضارع، لكنه ليس قسماً، أبرح فعل مضارع، والحرف المقدر هو لا، إذاً وجد شرطان بقي شرط ثالث وهو القسم، إذاً يعتبر شاذاً ولا يقاس إلا ما جاء النص باستثنائه؛ لأنه بالاستقراء أن هذا الفعل كغيره لا يعمل إلا بتقدم نفيٍ، وحينئذٍ إذا حذف فصار خارجاً عن القياس، فحينئذٍ ينظر في المثل الذي ورد أو في الآية التي معنا، فنجد أن تفتأ فعل مضارع، إذاً لا يتعداه، وأن التقدير: لا تفتأ، إذاً: لن، وما، وإن .. هذه ليست مثل لا، فنقتصر الحكم على المذكور، ثم هو في قسم، فنقول بهذه الشروط الثلاثة يجوز حذف النافي -حرف النفي-، وأما ما عداه فنقول: لا، وأبرح كما قال الشاعر هنا: وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي، نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأنه وإن كان فعلاً مضارعاً، وإن كان المحذوف الحرف وهو لا، إلا أنه ليس في سياق القسم، والشرط أن يكون في سياق القسم، فهذا أن يكون لنفي أو لشبه نفي، والمراد به كما ذكرنا النهي كقولك: لا تزل قائماً، (لا) ناهية، و (تزل) هذا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وجزمه السكون، واسمه أنت، وقائماً خبره.
إذاً: يحتاج إلى اسم وخبر، ومنه قوله:
صاحِ شمِّرْ ولاَ تَزَلْ ذاكِرَ المَوْتِ ... فَنِسْيانُهُ ضَلالٌ مُبِينُ
صاحِ يعني: يا صاح، هذا وإن كان في الأصل شاذ إلا أنا نتوسع به لكثرته، ولا تَزَلْ .. (ولا) هذه ناهية و (تزل) هذا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وجزمه سكون آخره، ولا تزل (أنت) ضمير وهو اسم تزل، و (ذاكِرَ المَوْتِ) هذا خبر، إذاً نصب
والدعاء كقولك: لا يزال الله محسناً إليك، لا يزال (لا) هنا دعائية، ولا في النهي والدعاء كما قال ابن آجروم هناك، لا يزال الله محسناً إليك، (لا) نقول هذه نافية -نسميها دعاء أيضاً لا بأس-، (يزال) فعل مضارع مرفوع ناقص مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، ولفظ الجلالة اسم يزال، ومحسناً هذا خبرها
أَلاَ يَا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ، عَلى الْبَلضى ... وَلاَ زالَ مُنْهَلاً بِجَرْعائِكِ الْقَطْرُ
وَلا زالَ مُنْهَلاً (لا) دعائية أو نافية، (زال) فعل ماضي، والقطر هذا اسمها، ومنهلاً خبر مقدم، بجرعائك هذا متعلق بـ: منهلاً.
إذاً: هذا شبه النفي وقد مثلنا للنفي.
وَهذِى الأرْبَعَهْ أي موادها الأخيرة المذكورة زال، وبرح، وفتئ، وانفك .. هذه الأربعة لا تعمل هذا العمل الذي هو رفع المبتدأ ونصب الخبر إلا إذا تقدمها شبه نفي أو لنفي، إلا إذا كانت متبعة، كيف متبعة؟ هي تابعة أو متبعة؟ إذا كانت متبعة، بماذا؟ كيف التقدير يكون؟ ما الذي أتبع الثاني؟ هي متبعة للنفي وشبه النفي، لذلك تقول: لشبه هذا متعلق بقوله متبعة وهو خبر ذي.
إذاً: هذا ما ذكره في هذا البيت.