دَامَ كذلك مشروطة بشرط وهو أن تكون مسبوقة بما المصدرية، ولذلك قال: منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط وهي ثمانية: كان وما عطف عليها إلى قوله: ليس، ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان: أحدهما ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظاً أو تقديراً، وهو ما أشار بقوله: وهذه الأربعة الأخيرة التي هي: زال، ماضي يزال كما سيأتي، وبرح، وفتئ، وانفك.
فَتِىءَ بكسر التاء هذا هو الأشهر في اللغة، الأشهر أنها بكسر التاء، وفيها لغة بالفتح فتَئ من باب فعَل، والأولى على وزن فعِل، ولغة ثالثة أفتأ، ورابعة فتُئ يفتأُ، كظرف يظرف، هذه أربعة لغات في فتئ المشهور فيها كسر التاء فتِئ ثم فتَئ.
وَانْفَكَّ وَهذِى الأرْبَعَهْ: أي موادها التي هي زال وما عطف عليه، وَهذِه الأرْبَعَهْ الأخيرة لا تعمل إلا بشرط كونها لِشِبْهِ نَفْيٍ، والمراد بشبه النفي النهي والدعاء، فلا تعمل إلا إذا كانت مسبوقة بدعاء أو نهي أو لنفي محض، وهذا النفي قد يكون بالاسم وقد يكون بالفعل، وقد يكون بالحرف.
وَهذِى الأرْبَعَهْ: ذِى مبتدأ، والأرْبَعَهْ بدل أو عطف بيان، مُتْبَعَهْ هذا خبر المبتدئ، ولِشِبْهِ نَفْيٍ هذا لا بد من أن نقدره أو نعلقه بمُتْبَعَهْ، ولو قدرناه بمحذوف كما قال بعضهم لا بأس به.
لِشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لِنَفْيٍ، إذاً: لا بد أن يتقدمها نفي أو شبه نفي، لماذا؟ قالوا: لأن المقصود من الجملة الإثبات، وهذه ملازمة للنفي معناها، وحينئذٍ نفي النفي إثبات، المراد بالجملة الإثبات، يعني جملة ما دخل على المبتدئ والخبر المقصود به الإثبات، وهذه الألفاظ في نفسها تدل على النفي، فاشترطنا النفي قبلها؛ لأن نفي النفي إثبات، ولذلك لا تعمل هذا العمل إلا بهذا الشرط أن تكون مسبوقة بنفي أو شبه النفي، وقلنا شبه النفي هو: الدعاء والنهي، وأما النفي فالمراد به حقيقته وهو النفي المحض، وهذا قد يكون بحرف وقد يكون بفعل، وقد يكون باسم، أما الحرف نحو:
لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لاَ زِلـ ... ــــتُ لَكُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبَالِ
وزَالَ هنا عملت وهي فعل مضارع لسبقها بالنفي وهو لن وهو حرف، كذلك أن تكون مسبوقة بنفي وهو فعل:
لَيْسَ ينفَكُّ ذا غِنىً واعْتِزَازٍ ... كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٌّ
قَنُوعُ - أو مُقِلٌ ضبط بهذا وذاك.
وقد يكون بالاسم النفي:
غَيْرُ مُنْفَكٍّ أَسِيرَ هَوىً ... كلُّ وَانٍ لَيْسَ يَعْتَبرُ
حينئذٍ نقول: النفي قد يكون حرفاً وقد يكون اسماً وقد يكون فعلاً، وقد يكون ملفوظاً كما في الأمثلة المذكورة وقد يكون مقدراً، يعني محذوفاً ومثلوا له بقوله تعالى: ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) [يوسف:85] تَفْتَأُ يعني لا تفتأ، ((تَذْكُرُ يُوسُفَ)) وحينئذٍ نقول: هذا الفعل تَفْتَأُ قد عمِل عمَل كان، ووجد شرطه لكنه مقدر، ويشترط في التقدير هنا ليس قياساً مطرداً، وإنما هو في القَسَمِ أولاً ثم مع الفعل المضارع، ثم لا على جهة الخصوص.