إذاً: يستثنى من المبتدئ ليس كل مبتدئ تدخل عليه كان، ويستثنى من الخبر ليس كل خبر تدخل عليه كان ولو صح دخوله على المبتدئ، فزيد اضربه نقول: هنا لا يصح دخول (كان) عليه الجملة هذه، لماذا؟ لذات المبتدئ أو للخبر؟ للخبر؛ لكونه جملة طلبية وأما المبتدأ فهو جائز.
تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ.
(تَنْصِبُهُ) خبراً لها، باتفاق أنه منصوب، وإنما منصوب على أي شيء؟ جمهور البصريين على أنه منصوب خبرٌ لكان، حينئذٍ نقول: هذا الوجه هو المرجح، والقول بأنه حال وهو مذهب الكوفيين مذهب ضعيف لا يعول عليه، لما ذكرناه.
كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ: ((وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)) [الفرقان:54] ربك قدير هذا الأصل .. (رب) مبتدأ ودخلت عليه كان وجاز الدخول عليه؛ لأنه ليس من الممنوعات، و (قدير) هذا الخبر وهو ليس جملة طلبية فدخلت كان رفعت المبتدأ الذي هو قبل دخول (كان) وأحدثت له رفعاً جديداً، والعامل فيه (كان)، ونصبت الخبر المرفوع قبل دخول (كان) فصار خبراً لكان.
حينئذٍ نقول: اسم كان مرفوع بكان، وخبر كان منصوب بكان، فأحدثت عملين في محلين مفترقين أحدهما الرفع والثاني النصب ((وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)) [الفرقان:54].
كَكَانَ أي: كقولك كَانَ سَيِّدًا عُمَرْ، كان عمر سيداً، هذا فيه أيضاً جواز تقدم خبر كان على اسمها.
كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ: إذاً أفاد فائدتين بهذا المثال وهو: أن كان دخلت على المبتدئ وهو علم، فرفعته على أنه اسم لها.
وسَيِّد هذا كان مرفوعاً فدخلت عليه (كان) فأحدثت فيه النصب؛ على أنه خبر لها، ودل كذلك على أنه يجوز تقدم الخبر على المبتدئ، وإن كان الأصل في النظر في خبر كان مع اسمها هو عين النظر في المبتدئ مع الخبر، هذا الأصل إلا ما استثني، فما وجب هناك تأخر الخبر وجب هنا وما وجب تقدم الخبر هناك وجب هنا، كما سيأتي.
كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ .. كَكَانَ ظَلَّ، ككان في ذلك في كونها ترفع المبتدا اسماً لها والخبر تنصبه ليس خاصاً هذا الحكم بكان فحسب، بل أخوات (كان) ونظائرها مثلها في ذلك العمل، فتدخل على المبتدئ جائز الدخول، وعلى الخبر جائز الدخول فترفع الأول وتنصب الثاني.
كَكَانَ هذا خبر مقدم، ظل هذا قصد لفظه وهو مبتدأ مؤخر.
كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ بإسقاط العاطف، هو جائز في الشعر، ظَلَّ، وبَاتَ، وأَضْحَى، وأَصْبحَا الألف هذه للإطلاق، وأَمْسَى، وَصَارَ، ولَيْسَ، وزَالَ، وبَرِحَا، وفَتِىءَ، وَانْفَكَّ .. هذه اثنا عشر، بقي واحد وهو دَامَ أشار إليه بقوله: (وَمِثْلُ كَانَ دَامَ) فهي ثلاثة عشرة فعلاً.
هذه الأفعال باعتبار العمل منها ما يعمل بلا شرط ولا قيد، ومنها ما يعمل بشرط، منها ما يعمل بلا شرط.
الأُوَل الثمانية تعمل بلا شرط كان، وظَلَّ، وبَاتَ، وأَضْحَى، وأَصْبحَا، وأَمْسَى، وَصَارَ، ولَيْسَ. هذه كلها متتالية وهي ثمانية تعمل بلا شرط، لا يشترط لها أي شرط.
وزَالَ، وبَرِحَا، وفَتِىءَ، وَانْفَكَّ .. هذه تعمل بشرط، وهو أن يتقدمها نفي أو شبه نفي.