وحكى أبو زيد مصدر فتئ، وكذلك غيره حكى مصدر ظل وبات، وينبني على هذا الخلاف هل (كان) تدل على حدث أم لا؟ هل يتعلق بها شيء من الظرف أو الجار والمجرور، فمن أثبت أنها تدل على الحدث حينئذٍ علق بها، يقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: كان، ((أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا)) [يونس:2] لِلنَّاسِ هذا متعلق بكان، بناء على ماذا؟ على أنها تدل على الحدث، وإذا لم تكن تدل على الحدث حينئذٍ الظرف والجار والمجرور يقيد ماذا؟ لما قلنا: المتعلقات بالفعل، كلها مقيدات ضرب زيد عمرواً ضرباً شديداً يوم الجمعة في داره، قلنا: في داره، ويوم الجمعة .. هذه كلها مقيدة؛ لأن ضرب زيد عمرواً أين ضربه؟ هذا مبهم، وما نوعية الضرب؟ هذا مبهم، لكن إذا قلت: ضرب زيد عمرواً يوم الجمعة عرفت أن الضرب وقع يوم الجمعة، يوم الجمعة عصراً، بعد الخامسة، في داره .. هذه كلها تقييدات، كلما زادت المقيدات اتضح مفهوم الفعل، وكلما حذفت صار نوع انبهام فيه في الفعل، وحينئذٍ ((أَكَانَ لِلنَّاسِ)) [يونس:2] نقول: لِلنَّاسِ جار ومجرور متعلق بكان بناءً على أنها تدل على الحدث، وإذا قيل بأنها لا تدل على الحدث وإنما هي زمانية فقط وجيء بها لربط مدلول الخبر بالمبتدأ، فحينئذٍ لا يصح أن يقال بأن الجار والمجرور والظرف متعلقان بكان.

وينبني على هذا الخلاف عملها في الظرف والجار والمجرور فمن قال بدلالته على الحدث أجازه، ومنه ((أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا)) [يونس:2]، ومن قال: لا يدل عليه منعه.

قال رحمه الله تعالى: كان وأخواتها.

أي: هذا باب بيان كان وأخواتها.

وأخواتها: أي نظائرها في العمل، فالأخوة هنا أخوة عملية ليست حقيقية على بابها، وإنما نظائرها في العمل، أفرد كان هنا وعطف أخواتها عليها لماذا؟ لأنها أم الباب، فإذا قيل: (إن) وأخواتها إذاً: (إن) هي أم الباب؛ لأن ما كان أم الباب هذا له تصرف، له أحكام خاصة ينفرد بها عن غيره، (ظن) وأخواتها، نقول هذا لأن ظن هي أم الباب، أفردت كان بالذكر إشارة إلى أنها أم الباب، ولذا اختصت بزيادة أحكام، وإنما كانت أم الباب، لماذا؟ لأن الكون الذي هو مصدر كان وكَوْنُكَ إيَّاهُ، هذا يعم جميع مدلولات أخواتها، أصبح، وأمسى، وظل .. هذا كله داخل في الكون؛ لأن المراد بالكون الذي يتعلق به الجار والمجرور، زيد في الدار أي: كائن، ما المراد بالكينونة؟ المراد به الحصول والحدوث، وهذا يعم أخوات كان ويزيد عليها؛ لأن كان تدل على مطلق الحدوث، وأما أصبح فتدل على حدوث في وقت الصباح، وكذلك أمسى وظل ونحوها، وأما كان فلا فتدل على مطلق الكينونة.

إذاً: لأن الكون يعم جميع مدلولات أخواتها، وكان الألف هذه منقلبة عن واو، لأن أصله (كون) تحركت الواو وانفتح ما قبله فوجب قلبها ألفاً، يقال: كان، دليل على أنها واوية الكون ويكون، الكون وهو مصدر، ويكون وهو فعل مضارع.

ووزنها فعَل بفتح العين لا فعِل ولا فعُل، لماذا؟ لأنه لو كان فعُل لما جاء منه اسم الفاعل على فاعل، وإنما يجيء على فعيل، وهنا قد سمع كائن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015