إذاً: يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر، فالأول الذي هو حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام، نحن: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ)) [القارعة:10] * ((نَارٌ حَامِيَةٌ)) [القارعة:11] يعني: هي نار حامية.
وبعد فاء الجواب: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)) [فصلت:46] أي: فعمله لنفسه.
وبعد القول: ((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) [الفرقان:5] أي: هو.
ويقل بعد إذا الفجائية: خرجت فإذا السبع، يعني: حاضر.
ولم تقع في القرآن إلا ثابتة، ومنه في غير ذلك: ((سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا)) [النور:1] أي: هذه.
إذا ضبطوا بأن هذا الشيء يقع بكثرة خلف كذا فالمراد به تحصيل حاصل، وإلا ليس بضابط بأنه إذا وجد في هذه جاز حذفه وما عداه فلا، لا.
إذا عرفت متى يجب ذكر الخبر من جهة التقديم والتأخير حينئذ ما علم جاز حذفه ولا ينضبط بضابط، لذا قل من ضبطه، وإنما هذا استطراد من السيوطي في جمع الجوامع.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا
هنا قاعدة -حشَّيتُ بها-: إذا كان في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأً غير الاستفهام فالاستفهام خبر، وإذا لم يكن في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأ فالاستفهام مبتدأ.
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ ... فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إِذْ عُرِفْ
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: يعني وقل، هذا مثال لحذف المبتدأ للعلم به، هذه سورة أنزلناها للعلم به.
وَفِي جَوَابِ: قول السائل: كيف زيد؟ زيد كيف؟ كيف زيد؟
قُلْ دَنِفْ: مريض، يعني: زيد مريض، حذفت ماذا؟ حذف المبتدأ وأبقيت الخبر للعلم به، لأنه واقع في جواب سؤال.
إذاً: فِي جَوَابِ: نقول: هذا متعلق بقوله: قل.
قُلْ دَنِفْ: أي مريض، في جواب قول السائل: كيف زيد؟ فدنف يعني مريض: خبر، والمبتدأ محذوف، أي: زيد دنف.
فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: فزيد المبتدأ.
اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: وحذف في اللفظ لفظاً.
إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال، وهذا الشطر حشو، لماذا؟ لأنه قال: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، دخل في قوله: مَا يُعْلَمُ، المبتدأ والخبر، ثم مثَّل فقال:
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ قل مريض، إذاً: زيد حذف لكونه يعلم لما ذكره سابقاً في القاعدة العامة.
فقوله: فَزَيْدٌ المبتدأ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ لفظاً.
إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال. قال المكودي: في الشطر كامل تتميم للبيت ولو استغنى عنه لصح المعنى، لو لم يقل: فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إذْ عُرِفْ، هل مدلول هذا الشطر يكون داخلاً في ما سبق أو نحتاج لا بد على التنصيص؟ داخل في ما سبق وإلا ليس فيه فائدة، ولذلك الأشموني ما اعترض ولا الصبان، لكن .. !
إذاً: هذا هو الموضع الثاني.
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: هذا حذف للمبتدأ للعلم به.
إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأً وكونه خبراً يجوز الوجهان: إما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبر، يجوز هذا ويجوز ذاك. أيهما أولى؟ هذه ما سيذكرها النحاة في هذا المحل.