هناك الملاوي قال: قيل: الجواز هنا أعم من الوجوب.
وقوله: بَعْدَ: يعني فيما سيأتي.
وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَتْمٌ
قال: هذا من ذكر الخاص بعد العام، لأن قوله هنا: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ؛ لأن الواجب حذفه من مبتدأ وخبر لا بد من قرينة تدل عليه، وكذلك ما حذف جوازاً لا وجوباً لا بد من قرينة تدل عليه، وحينئذ نعمم الحكم هنا بالجواز ليصدق على الوجوب، هذا وإن ذكروه المكودي وغيره لكنه غير ظاهر.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ
مَا: أتى بـ: مَا التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون الحذف هنا في سائر الأبواب، في جميع أبواب النحو حذف ما يعلم جائز، ويحتمل أن (ما) هنا مخصصة بالقرينة، وهو كونه ذكرها في باب المبتدأ والخبر، هذا أو ذاك نقول: الحكم عام، سواء قلنا: مراد الناظم هنا (ما) في هذا الباب، أو قلنا العموم، فالحكم عام، كل ما يعلم يجوز حذفه، إلا ما سيأتي من الفاعل ونائب الفاعل، استثناءات وإلا الأصل هو الجواز.
إذاً: أتى بـ (ما) التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون في سائر الأبواب، ويحتمل أن يكون مقصوراً على هذا الباب لأن السياق يدل على ذلك.
كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما
كَمَا: هذا مثال لحذف الخبر للعلم به، حُذف الخبر هنا في هذا المثال لكونه معلوماً، متى؟ تقول: زيد من غير ذكر للخبر بعد قول السائل: من عندكما؟ فالقرينة حينئذ من حذف الخبر كونه واقعاً في جواب سؤال، والسؤال دائماً يعتبر قرينة، لكنها قرينة حالية ليست لفظية، لأن زيد لوحده هكذا ليس فيها لفظ يدل على المحذوف وإنما قلت: زيد، الأصل أنه مفرد، وحينئذ من أين أخذنا أن الخبر محذوف؟ لكونه واقعاً في جواب سؤال، هل هذا لفظ أم حال؟ حال ليس بلفظ.
إذاً تقول: زيد من غير ذكرٍ للخبر بعد قول السائل: من عندكما، فزيد مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به أي: زيد عندنا، هذا التقدير، من عندكما؟ زيد، التقدير: زيد عندنا، ولا يصح أن تقول: عندنا زيد؛ لأن الجواب يجب أن يكون مطابقاً للسؤال، ولو قلت هنا شيء يعني زدته حصراً على السؤال ولم يسأل عنه، قلنا: هذا حشو في الكلام.
عندنا زيد، على التقديم والتأخير، ولم نجعل زيداً فاعلاً للاستقرار، وحينئذ نقول: هذا أفاد الحصر. فزيد: مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به، أي: زيد عندنا. وإن شئت صرحت به؛ لأن هذا المراد بالجواز، يجوز فيه الوجهان: أن تحذف، وأن تصرح به.
ولو كان المجاب به نكرة، وقلنا: النكرة وهي مبتدأ يجوز أن تقع في جواب سؤال، أليس كذلك؟ من جاءك؟ رجل. من عندك؟ رجل عندي، قلنا لا يصح أن تقول: عندي رجل، بل هنا من المسوغات بالابتداء بالنكرة كونه واقعاً في جواب سؤال، فرجل عندي، رجل: هذا مبتدأ. أليس كذلك؟ هو نكرة، أين المسوغ؟ ليس له مسوغ لفظي، وإنما كونه واقعاً في جواب سؤال ابتدأنا بالنكرة ولا بأس، وهذا جائز.
ولو كان المجاب به نكرة، نحو: رجل، فقدر الخبر أيضاً بعده.
قال في شرح التسهيل: لا يجوز أن يكون التقدير: عندي رجل، إلا على ضعف، عندي رجل من أجل أن نبتدئ بالنكرة فيه ضعف، بل الصواب أن يبقى الكلام على أصله، رجل عندي، هذا الأصل. من عندك؟ رجل. هكذا، مثل: من عندك؟ زيد، وهذا مبتدأ حذف خبره.