عُرْفًا وَنُكْراً: أي: في التعريف والتنكير، هذا مراده بالعرف والنكر، في التعريف والتنكير، فهما اسما مصدرين للتعريف والتنكير منصوبان بنزع الخافض، وهو أولى من جعلهما تمييز -أعربها محيي الدين تمييز- والأولى تجعل منصوبان بنزع الخافض؛ لأن المعنى عليه وإن كان مقصوراً على السماع أوضح من جعلهما تمييزين محولين من فاعل يستوي، فحينئذ يكون فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ في التعريف وفي التنكير، والمراد النكرة هنا ليس مطلق النكرة، وإنما النكرة التي يصلح أن تكون مبتدأً، كل منهما يصلح أن يكون مبتدأً أفضل من زيد أفضل من عمرو، أفضل أفضل نكرتان، الأولى مخصصة والثانية مخصصة، هنا يجب أن يكون الأول مبتدأً والثاني معرفة، ليس كالسابق، لماذا؟ لأن الأولى صالحة لأن تكون مبتدأ وهي مبتدأ، والثانية أفضل من عمرو كذلك صالحة لأن تكون مبتدأ وهي قد أعربناها خبر، لماذا؟ لأنك لو قدمت وأخرت وقعنا في الإبهام واللبس، أفضل من زيد أفضل من عمرو، كل من كان أفضل من زيد فهو أفضل من عمرو، والعكس صحيح لو قدمنا وأخرنا قلنا: أفضل من عمرو أفضل من زيد؟ ليس بصحيح إذاً وقعنا في وهم ولبس، حينئذ يجب أن نلتزم الأصل، وهو أن يكون الأول هو المبتدأ والثاني هو النكرة؛ لئلا يقع إلباس وتلبيس.
عُرْفًا وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ: هذا تقييد، عَادِمَيْ يعني: ما كانا معرفتين وما كانا نكرتين، عَادِمَيْ بَيَانِ إذا لم توجد قرينة تبين المبتدأ من الخبر، إذا انتفت القرينة وجب أن يكون الأول من المعرفتين هو المبتدأ، وأن يكون الأول من النكرتين الصالحتين لجعلهما مبتدأً أن يكون الأول هو المبتدأ، إن وجدت قرينة مع التقديم والتأخير تنفي اللبس والإيهام، حينئذ جاز التقديم والتأخير بين المعرفتين وبين النكرتين.
فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً وَنُكْرَاً عَادِمَيْ بَيَانِ
إذاً الموضع الأول الذي يجب فيه تأخير الخبر -أن يبقى على أصله- أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة، أو يكون كل من المبتدأ والخبر نكرة، لكنها صالحة لجعلها مبتدأً -لا بد من التقييد- وأما إذا كانا أحدهما صالحاً لأن يجعل مبتدأ والثاني يكون محضاً ليس داخلاً في كلام المصنف، رجل صالح حاضر، هذه خرجت بقوله: عَادِمَيْ بَيَانِ؛ لأنه ليس فيه لبس يتعين الأول أن يكون مبتدأ والثاني خبر.
وعبر عن هذا التركيب في التوضيح: الأول أن يوهم التقديم ابتدائية الخبر، بأن يكون معرفتين أو نكرتين متساويتين ولا قرينة، فإن كان قرينة جاز التقديم كما سيأتي أبو يوسف أبو حنيفة.