إذاً لو تقدم الخبر لتوهمنا ابتدائيته، يعني إذا قلنا الأصل أخي زيد على المعنى السابق، لو أخطأ فقال: زيد أخي، نقول: التركيب ليس بصحيح، أو يصحح على أن يجعل الخبر المقدم مبتدأً؛ لأن المخاطب سيتوهم أنه المبتدأ المحكوم عليه، إذا قال: أخي زيد، قلنا يجب التزام الأصل أخي زيد، أخي مبتدأ وزيد خبر، لو قدم قال: زيد أخي على أن يكون خبراً مقدماً، نقول: لا. هذا يوهم أنه مبتدأ، فإما أن تلتزم بأنه مبتدأ أو ترجع إلى الأصل أن تقول: أخي زيد، إما أن ترجع عن الحكم فيكون زيد الذي قدمته على أنه خبر مقدم يكون مبتدأً، وأخي يكون خبراً.

ولذلك عبر ابن هشام في التوضيح عن هذه الجملة التي عبر عنها ابن عقيل بما هو أوضح: أن يوهم التقديم ابتدائية الخبر، يعني الخبر في الأصل أنه خبر لو قدمناه لتوهم السامع والمخاطب أنه مبتدأ، ودفعاً للإلباس وجب التزام الأصل وهو تأخير الخبر.

ولا مبين للمبتدأ من الخبر: زيد أخوك، هذا واضح، وأفضل من زيد أفضل من عمرو، ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه؛ لأنك لو قدمته فقلت: أخوك زيد وأفضل من عمرو أفضل من زيد لكان المقدم مبتدأً وأنت تريد أن يكون خبراً من غير دليل يدل عليه، فإن وجدت قرينة عَادِمَيْ بَيَانِ، فإن وجد البيان حينئذ بالمفهوم صح التقديم والتأخير: أبو يوسف أبو حنيفة، أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة، أبو يوسف هذا مبتدأ وهو مُشَبَّهٌ، وأبو حنيفة مُشَبَّهٌ به، مبتدأ وخبر، أبو يوسف مبتدأ محكوم عليه، وأبو حنيفة هذا خبر، كل منهما استويا تعريفاً.

هنا عندنا قرينة وهي أن الأصل أن التلميذ هو الذي يشبه بشيخه، لا الشيخ هو الذي يشبه بتلميذه، فإذا قال أبو حنيفة أبو يوسف، هل يتوهم متوهم أن أبو حنيفة مبتدأ؟ لا، ليس أبو حنيفة مشبه بأبي يوسف، لا العكس، إذاً وجدت قرينة معنوية، هنا القرينة ليست لفظية وإنما هي معنوية؛ لأن أبو يوسف هذا مشبه وأبو حنيفة مشبه به، كأنه قال: أبو يوسف مثل أبي حنيفة، وشأن المشبه التقدم على المشبه به، وهو المبتدأ والمشبه به هو الخبر، حينئذ لو قدم وأخر فقال: أبو حنيفة أبو يوسف قلنا: عندنا قرينة عند من يفهم، لكن إذا كان ما يعرف أبا حنيفة ولا أبا يوسف، هذه مشكلة عرف بهما أولاً، ثم اشرح له المثال.

لو قال: أبو حنيفة أبو يوسف جاز لوجود القرينة المعنوية ولا إشكال فيه.

بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجالِ الأَباعِدِ

بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا: كل منهما معرفة، بنونا هذا معرف بماذا؟؟؟؟

وبنو أبنائنا؟ ... ؟؟؟

إذاً اجتمع معرفتان على قاعدة ابن مالك أن الأول يكون مبتدأً والثاني يكون خبراً، بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا، أنت على ماذا تحكم-على من- على أبناء الأبناء أو على البنين أيهما أصل تشبه من بمن؟ أبناء الأبناء بالأبناء أو الأبناء بأبناء الأبناء؟

أبناء الأبناء هؤلاء مشبهون بالأبناء، إذاً بَنُونَا هذا خبر مقدم، بَنو أَبْنَائِنَا هذا مبتدأ مؤخر، معلوم من التشبيه؛ لأن القاعدة أن المشبه هو الذي يكون مبتدأ، والمشبه به هو الخبر، فالمعنى تشبيه أبناء البنين بالبنين ومن يُشَابِهْ أَبَه فَمَا ظلَم، هذا هو الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015