فامنعه مطلقاً إذا كان الأول معرفة، سواء كان أعرف من الثاني أو أدنى، فالمبتدأ هو المقدم، ولو كان أدنى مرتبة من الجزء الثاني، والثاني هو الخبر ولو كان أعرف من المبتدأ، فالناظم لم يلتفت إلى هذا، وإنما نظر إلى ما يعرفه المخاطب كما سيأتي.

إذاً المراد هنا بالاستواء حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ المبتدأ والخبر.

عُرْفًا وَنُكْراً: في جنس التعريف والتنكير، وإن كان أحدهما أعرف أو أخص من الآخر، فيما إذا كان نكرتين؛ لأن أحدهما قد يضاف غلام رجل، والآخر قد يوصف بجار ومجرور، حينئذ يكون الأول أقرب إلى قلة الشيوع من الثاني، فهو أخص، إذاً لا يلزم أن يكون الأخص هو المبتدأ والأعم ولو كان نكرة من جهة التخصيص أن يكون هو الخبر لا، فالأول النكرة المخصصة يكون مبتدأ، والثاني النكرة المخصصة يكون خبراً، ولو كان الثاني أكثر تخصيصاً من الأول، لأن ما كان أكثر تخصيصاً يكون أقرب إلى المعرفة فهو أعلى درجة، وما كان أبعد فهو أنزل درجة مطلقاً لا يلتفت إلى هذا ولا ذاك، وإنما المقدم الذي يلفظ به أولاً هو الذي يكون مبتدأً، والذي يلفظ به ثانياً هو الذي يكون خبراً ولو كان الثاني أكثر تخصيصاً من الأول.

أما إذا كان أحدهما نكرة مخصصة، والآخر محضة، محضة يعني لم توصف، وإحدى النكرتين وصفت، رجل صالح حاضر، رجل هذا نكرة، وحاضر نكرة، هل استويا؟ لا، ليس عندنا نكرة مخصصة إلا واحدة رجل صالح، هذه نكرة مخصصة، حاضر نقول: هذا نكرة محضة، في هذا التركيب ليس داخلاً في كلام المصنف؛ لأنه يتعين أن تكون النكرة المخصصة هي المبتدأ، والنكرة المحضة هي الخبر، هذا متعين لا يجوز فيه الوجهان، وإنما نقول: هذا الذي هو رجل صالح، هذا مبتدأ قطعاً، وحاضر هذا خبر قطعاً.

وأما إذا كان أحدهما نكرة مخصصة والآخر محضة، فظاهر أن المبتدأ هي النكرة المخصصة كالمثال الذي ذكرناه، إلا أن هذه الصورة خارجة بقوله: عَادِمَيْ بَيَانِ، ليست بداخلان.

وإن كان الاسمان مستويين فالذي يقدم ويجعل مبتدأً هو ما يعلم المخاطب اتصاف الذات به، والذي يؤخر ويجعل خبرًا هو ما يجهل المخاطب اتصاف الذات به، على الأصل في وضع المبتدأ والخبر، يعني إذا قيل: زيد أخي، على كلام الناظم هنا إذا قلت: زيد ونطقت به أولاً، وأخي نطقت به ثانياً، حينئذ أي النوعين من المعرفتين نجعله مبتدأً والآخر خبر؟

على كلام الناظم مطلقاً زيد مبتدأ، وأخي خبر، ونظر بعضهم إلى المعنى، هذا في الظاهر والله أعلم أنه وقوف ظاهري، لماذا؟ لأن الغرض في المبتدأ أن يكون مخبراً عنه، والخبر أن يكون مخبراً به، هذا الأصل فيه، وهذا أصل مطرد، والعبرة هنا بالمعاني أيضاً كما أن العبرة بالألفاظ.

فحينئذ إذا كان الأصل في المبتدأ، أن يكون مخبراً له، فحينئذ إذا كان معلوماً عند المخاطب أحد اللفظين المعرفتين والثاني فيه نوع جهالة، فالأصل حينئذ أن يكون المعلوم هو المبتدأ، والمجهول هو الخبر؛ لأن الخبر هو الجزء الذي تتم به الفائدة مع المبتدأ، وهو محط الفائدة كما يعبر النحاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015