إذاً هذا شروع في الحالة الثانية من أنواع الخبر، وهو وجوب التزام الأصل، وهو وجوب التأخير، وثنى به لأنه موافق للأصل، جاء على الأصل في كونه مؤخراً، وخالف الأصل في كونه واجباً، فهو موافق من جهة ومخالف من جهة أخرى، يعني هذا القسم الثاني وهو وجوب التأخير، نقول: في النطق وافق الأصل؛ لأنه مؤخر، ولكن في الحكم الأمر المعنوي هذا نقول: خالف الأصل، لماذا خالف الأصل؟ لأن الأصل ألا نلتزم تأخيره، فلما التزمنا تأخيره حينئذ خالفنا الأصل، والتزام التأخير هنا هل خالف الأصل في كونه مؤخراً لفظاً؟ لم يخالف، ولذلك ثنى به، بخلاف الحالة الثالثة وهي وجوب التقديم، وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَرْ: لِِي وَطَرْ هنا وجب تقديم الخبر، لكون المبتدأ نكرة، لِِي وَطَرْ إذاً خالف الأصل من وجهين: في كونه مقدماً لفظاً، وفي كونه واجب التقديم.
ولذلك ثلث بتلك الحالة، هذه أشبه بالحالة الأولى، وافق الأصل في كونه مؤخراً: يعني منطوقاً به مؤخراً، ثم هذا التأخير الأصل في حكمه أنه جائز، ولكن خالفه فالتزم التأخير، يعني حكمنا بالوجوب.
وهو وجوب التأخير، وثنى به لأنه على الأصل من جهة التأخير، ومخالفته له من جهة الوجوب.
قال رحمه الله تعالى:
فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ
هذا هو الموضع الأول الذي يجب فيه تأخير الخبر.
فَامْنَعْهُ: يعني امنع تقديم الخبر على المبتدأ، فحينئذ يلتزم حالته التي نطق بها العرب.
فَامْنَعْهُ: أي امنع تقديم الخبر في مسائل، ذكر منها خمسة.
حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: أي المبتدأ والخبر والناظم يعبر عن المبتدأ بكونه جزء كما في هذا الموضع، وعن الخبر بكونه جزءاً كما في قوله: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ؛ لأنه جزء من جزأين؛ إذ الكلام مركب من مسند ومسند إليه، كل منهما جزء، وأقل ما يتألف منه الكلام جزءان، أحدهما مبتدأ والآخر الخبر، إذاً حين يستوي الجزءان المبتدأ والخبر
عُرْفًا: في التعريف والتنكير، يعني إذا كان كل من الجزأين -المبتدأ والخبر- معرفتين، وكان كل منهما -من المبتدأ والخبر- نكرتين، وكل منهما صالح لأن يجعل مبتدأً حينئذ يمتنع تقديم الخبر على المبتدأ؛ لإيهام اللبس.
فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: أي المبتدأ والخبر.
المراد الاستواء هنا في جنس التعريف والتنكير، ليس من كل جهة، يعني يستوي الجزءان تعريفاً، قد يقال: بأن الأول علم والثاني علم حتى يكونا في مرتبة واحدة، قد يظن الظان هذا، أنه المراد في التعريف في المرتبة، هذا مضاف إلى معرفة وهذا مضاف إلى معرفة، هذا مضاف إلى اسم إشارة والثاني مضاف إلى اسم إشارة! لا ليس هذا المراد، بل المراد كل منهما معرفة بقطع النظر عن تعريف الجزء الأول بمَ كان وتعريف الجزء الثاني بمَ كان؛ لأنه قد يكون الجزء الأول أعرف من الثاني أو الثاني أعرف من الأول أو يستويان، الأحوال ثلاثة كلها مرادة في كلام الناظم هنا.