وفهم منه أن الأصل في المبتدءات التقديم، بالعكس إذا كان الأصل هو تأخير الخبر يلزم منه أن يكون المبتدأ في الأصل تقديمه، إذاً دل على هذا الحكم بدلالة اللزوم.

والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا ... وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: تقديم الخبر على المبتدءات، وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ لها على المبتدءات يلزم منه أن يكون الأصل في المبتدأ هو التقديم وهو كذلك، ونعلله بعلتين عكسيتين لما عللناه بالخبر، وهو أنه محكوم عليه وشأن المحكوم عليه التقديم، ولأنه موصوف في المعنى والموصوف من شأنه التقديم، لذلك كان الأصل فيه أن يقدم.

الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر؛ وذلك لأن الخبر وصف في المعنى للمبتدأ فاستحق التأخير كالوصف، ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه؛ إِذْ لَا ضَرَرَا، وهذا سيبينه الناظم بما سيأتي من أبيات، قائم زيد، أصل التركيب زيد قائم .. زيد مبتدأ وقائم خبر.

وهنا يتعين أن يكون زيد مبتدأ؛ لأنه كما سبق إذا وجد نكرة ومعرفة وهذه النكرة غير صالحة لجعلها مبتدأ حينئذ تعين أن يكون المعرفة هي المبتدأ، وأن يكون النكرة هي الخبر.

زيد قائم هذا الأصل (والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا) فزيد محكوم عليه، وقائم محكوم به، وشأن المحكوم عليه التقديم، وشأن المحكوم به التأخير.

زيد في المعنى موصوف، وقائم في المعنى صفة، زيد نقول: هذا الأصل فيه التقديم لأنه مبتدأ؛ لأنه محكوم عليه وشأنه التقديم، وكذلك هو في المعنى موصوف وشأن الموصوف أن يتقدم على صفته.

أيهما أرجح: قائم زيد، زيد قائم؟ الثاني؛ لأنه على الأصل.

إذاً جواز تقديم الخبر في مثل هذا التركيب لا يلزم منه استواء المثالين، هذا جائز وهذا جائز، لكن فيما أرجح وأبلغ وهو أن يكون موافقاً للأصل، وأما إذا وجد علة أو وجد معنى بلاغي، حينئذ صار التقديم هو الأفصح، ولو جاز تأخيره، لكن إذا استويا دون معنى زائد على مجرد التقديم والتأخير حينئذ قلنا تأخير الخبر هو الأرجح، ويفسر قوله الأَصْلُ بأنه الراجح.

وقائم أبوه زيد، زيد مبتدأ مؤخر، وقائم هذا خبر مقدم، وأبوه فاعل للوصف، إذاً نقول هذا خبر مقدم وذاك مبتدأ مؤخر، زيد قائم أبوه، أبوه قائم زيد .. يجوز الوجهان، أبوه منطلق زيد، زيد أبوه منطلق .. زيد مبتدأ أول، وأبوه مبتدأ ثاني، ومنطلق خبر الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، زيد أبوه منطلق، وهذا الخبر من باب الإخبار بالجملة الاسمية والرابط مذكور أبوه، يجوز تقديم الجملة الاسمية على المبتدأ، أن تقول: أبوه منطلق زيد، حينئذ يعود الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة، وهذا جائز، يعني لا يقال بأنه إذا قيل: زيد أبوه منطلق عاد الضمير أبوه على متقدم في اللفظ والرتبة، وأما إذا قدمناه حينئذ لم يرجع إلى متقدم في اللفظ نقول: الممنوع ألا يرجع الضمير إلى متأخر لفظاً ورتبة، إلا في ست مسائل يأتينا في محلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015