ثم هذه العلة هي جزء علة وليست علة كاملة؛ لأنه محكوم به، والمبتدأ محكوم عليه وطبعاً أن المحكوم عليه مقدم على المحكوم به، فحينئذ لا ينافي العقل، العقل جاء بما جاء به لسان العرب فلا تنافي بينهما.

إذاً وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ لا يعترض بأننا عللنا تأخير الخبر على الأصل بأنه وصف في المعنى، طيب يرد إيراد أن الوصف لا يتقدم على موصوفه، إذاً الخبر لا يجوز أن يتقدم على المبتدأ، نقول: لا، لماذا؟ لعدم وجود الشبه الكامل بين الخبر والصفة.

وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: لماذا جوزوه نقول: لأن الخبر وإن كان يشبه الصفة إلا أنهم توسعوا فيه؛ لأنه لم يصل إلى درجة الصفة في وجوب التأخير، ذاك شأنه شأن الصفة؛ لأنها لفظاً ومعنىً، حينئذ تجري عليها أحكام الصفة، وأما الخبر فالأصل لا.

وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: أي لم يمنعوه، وليس المراد بالجواز استواء الطرفين، لأننا قلنا الأصل أن يكون الخبر متأخراً، فإذا جاز -لو جاز على القول بالجواز- زيد أخوك، أخوك زيد، لكان الأصل: زيد مبتدأ وأخوك خبر، نقول: يجوز تقديم أخوك على المبتدأ، لكن هل معنى ذلك أنه مثل الجملة الأولى –استواء-، زيد أخوك أخوك زيد، استواء؟ لا، نقول: ما كان موافقاً للأصل -الجملة التي فيها الخبر متأخر عن المبتدأ-، ولو جاز التقديم هي أرجح، لماذا؟ لأنه موافقة للأصل، وما وافق الأصل حينئذ يكون مقدماً على غيره.

إذاً جَوَّزُوا التَّقْدِيمَ يعني: لم يمنعوه، وليس المراد هنا استواء الطرفين؛ بأنه يجوز هذا وذاك، والمرتبة واحدة! لا، نقول: لو جاز تقديم الخبر على المبتدأ إلا أن تأخيره أولى؛ لأنه وافق الأصل، وما جاء عن الأصل فهو مقدم.

إذاً: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: أي لم يمنعوه، وليس بالمراد استواء الطرفين لما سبق أن التأخير هو الأصل –الراجح-، وهذا ذكر من الناظم لأول أحوال الخبر الثلاثة: جواز التقديم والتأخير وبدأ بالأول لأنه الأصل من الثلاثة، لكن قيده ليس على إطلاقه، نعم هو النوع الأول لكنه قيده، قال: إِذْ لا ضَرَرَا: إذ لا مانع، يمنع من جواز الوجهين، بمعنى أنه قد يوجد عارض يعرض على الخبر فيحتم تأخيره، أو يوجب تقديمه، حينئذ يرد السؤال: هذه المرتبة وإن كانت الأصل لا يمكن ضبطها إلا بمعرفة مواضع وجوب تأخير الخبر، ومواضع وجوب تقديم الخبر ما ليس من ذاك ولا ذا، حينئذ نقول: جائز الطرفين -يجوز تقديمه ويجوز تأخيره-.

إِذْ لَا ضَرَرَا: (إذ) هذه يحتمل أنها تعليلية، ورجح الصبان أنها ظرفية وليست تعليلية.

إِذْ لَا ضَرَرَا: ضرر اسم لا النافية للجنس، لَا ضَرَرَا، وخبرها مقدم إِذْ لَا ضَرَرَا في التقديم.

وأما تقدير لَا ضَرَرَا موجود هذا فيه ضعف.

إِذْ لَا ضَرَرَا: أي إن لم يمنع مانع يمنع من تقديمه كما سيأتي.

فإن حصل في التقديم ضرر فلعارض حينئذ لا بد من ضبطه، وسيذكره الناظم رحمه الله تعالى.

والأَصْلُ: أي الراجح.

فِي الأَخْبارِ: جمع خبر، جمعه باعتبار تعدده تأخيره، هذا هو الأصل الموافق لما نطق به العرب، ولما علم بالعقل والعلة الصحيحة.

وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لَا ضَرَرا يمنع من التقديم، إذ لا ضرر حاصل بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015