مَا خِلٌّ لَنَا، -كما قال الناظم هنا- {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} قَرْيَةٍ هذا مبتدأ، ما الذي جوز الابتداء به؟ كونه مسبوقاً بحرف نفي، إذاً إذا عمت كما إذا وقعت في سياق النفي أو الاستفهام؛ لأنها من صيغ العموم حينئذٍ صح الابتداء بها، أو خصت وهذا إما أن يكون بوصف أو إضافة ((وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ)) [البقرة:221]، خَيْرٌ هذا خبر، وَعَبْدٌ هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً، (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ)، خَمْسُ هذا مبتدأ، ما الذي سوغ الابتداء به؟ كونه مضافاً، خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ، حينئذٍ نقول هذا خبر، والمبتدأ هنا نكرة، وحصل تخصيص له، يعني: تقليل للأفراد، العموم هناك رفع للاشتراك، وهنا حصل تقليل للاشتراك؛ لأن النكرة ما شاع في جنس موجود أو مقدر، والأمثلة التي ذكرها الناظم لا تخرج عن هذين النوعين وإنما ينص النحاة على ذلك من باب تمرين الطالب بأنه إذا وقع في حَيِّزِ كذا وكذا إلى آخره لتكون الصورة أمامه مستحدثة، ولذلك أوصلها إلى أربع وعشرين صورة، نأتي عليها إن شاء الله.
وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، مفهومه إن أفادت فحينئذٍ جاز الابتداء بها، فكل ما حصل به الفائدة جاز الابتداء به هذا هو الضابط، بل لو قال قائل: رجل في الدار، والمخاطب يعلم الحقيقة صح الابتداء بها؛ لأن المراد -نص بعضهم على هذا- لأن المراد أن يكون الخبر وهو المحكوم به قد حصل على معلوم عند السامع عند المخاطب، فإذا حصل بأي شيء ولو بشيء خارج عن مجرد اللفظ كالعهد ونحوه حينئذٍ صح الابتداء بها، فلو قلت لرجل: رجل عندك، رجل مبتدأ وهو نكرة، لا يجوز الابتداء بالنكرة، لكن إذا حصلت فائدة عند المخاطب وهذا على وجه الخصوص حينئذٍ صح الابتداء بها، لماذا؟ لأنها أفادت والفائدة تختلف؛ لأنها نسبية، تختلف من شخص إلى شخص آخر، ثم مَّثل لما يحصل به الفائدة فقال: كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، مَا لَمْ تُفِدْ، في بعض النسخ ما لم يفد بالياء، ما لم يفد ما لم تفد، إذا كان بالتاء وهو المشهور ما لم تفد أي النكرة، ما لم يفد أي الابتداء بالنكرة، من جهة المعنى بالياء أحسن؛ لأن الكلام في الابتداء بالنكرة، ليس في عين النكرة، مَا لَمْ تُفِدْ يعني الابتداء بالنكرة، بالياء والضمير عائد على الابتداء، وبالتاء فالضمير عائد على النكرة من حيث الابتداء بها لا من حيث ذاتها، يعني: لابد من التأويل، مَا لَمْ تُفِدْ أي النكرة باعتبار ذاتها أو الابتداء بها؟ الابتداء بها، مَا لَمْ تُفِدْ يعني الابتداء بالنكرة، ولذلك الياء أحسن لكن المشهور هو بالتاء.