المسوغ الأول مثَّل له الناظم بقوله: كقولك: عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، النمرة هذا اسم لبردة من صوف يلبسها الأعراب، كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، نمرة هذا نكرة ولا يجوز الابتداء بها، وهنا المسوغ للابتداء بها تقدم الخبر وهو جار ومجرور أو ظرف، إذاً من المسوغات: أن يتقدم الخبر عليها، وهو ظرف أو جار ومجرور نحو عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَه، عِنْدَ هذا مضاف وزيد مضاف إليه، وهو منصوب بمحذوف هو الخبر، ونمرة: هذا مبتدأ مؤخر، سوغ الابتداء به تقدم الجار والمجرور عليها، إذاً المسوغ الأول: أن يتقدم الخبر على النكرة، أن يكون الخبر مختصاً، ظرفاً أو مجروراً أو جملة ويتقدم عليه، ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35]، مَزِيدٌ هذا مبتدأ مؤخر وهو نكرة، وَلَدَيْنَا هذا خبر مقدم وهو الذي سوغ الابتداء بالنكرة، ((وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)) [البقرة:7]، غِشَاوَةٌ هذا مبتدأ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، هنا واجب التقديم كما سيأتي والنكرة سوغ الابتداء بها تقدم الجار والمجرور عليها، وجه التخصيص هنا أن يكون المجرور والمضاف إليه في الظرف والمسند إليه في الجملة صالحاً للإخبار عنه.

الثاني: أشار إليه بقوله: وَهَلْ فَتَىً فِيكُم، هل حرف استفهام، وفتىً هذا مبتدأ نكرة، فيكم جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، ما الذي سوغ الابتداء بالنكرة والأصل فيها المنع؟ كونها جاءت في سياق الاستفهام، وإذا كانت النكرة في سياق الاستفهام حينئذٍ عمت، وإذا عمت معناه أنه شمت كل الأفراد، وإذا شملت كل الأفراد صارت معرفة من حيث المعنى أما من حيث اللفظ فهي نكرة وأما في المعنى فهي معرفة.

فَمَا خِلٌّ لَنَا، هذا المسوغ الثالث، فما هذه الفاء واقعة في جواب الشرط، كأنه قال: إن لم تكن خليلنا فما خل لنا، خلٌ هذا مبتدأ، سبقه نفي وهو المسوغ له بالابتداء، والوجه فيه كالوجه في الاستفهام، فهو نكرة في سياق النفي فتعم، وإذا عمت -صارت عامة- يعني: تشمل كل الأفراد -أفراد مدخولها-، إذاً لم يفت فرد منها وصارت عامة، صارت معرفة، إذاً إذا تقدم النفي على النكرة جاز الابتداء بها.

وَرَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ عِنْدَنَا، رجل هذا مبتدأ، ومِنَ الكِرَامِ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل، إذاً وُصِفَت، إذا وُصِفَت النكرة لفظاً أو تقديراً أو معنى حينئذٍ جاز الابتداء بها، لماذا؟ لأنه بالوصل حصل لها تخصيص، وإذا خصصت حينئذٍ قل الشيوع فيها، وإذا قل الشيوع فيها صارت أقرب إلى المعرفة، أن توصف لفظاً كما ذكره الناظم هنا: رَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ يعني: كريم، عِنْدَنَا، عندنا هذا هو الخبر، أو تقديراً ((وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)) [آل عمران:154]، طائفة يعني: من غيركم، طائفة هذا مبتدأ، والذي سوغ الابتداء بها كونها موصوفة بصفة محذوفة، يعني: ذكرت أولاً ثم حذفت، ومثله ما ذكرناه: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ)، السَّمْنُ هذا مبتدأ، ومَنَوَانِ هذا مبتدأ ثاني، لا يجوز الابتداء به، لكن ما الذي سوغ الابتداء به؟ كونه موصوفاً والصفة محذوفة، منه جار ومجرور متعلق بمحذوف الذي هو الضمير العائد، متعلق بمحذوف صفة لمنوان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015