إذاً المبتدأ نوعان: اسم معنى، واسم جثة، والظرف إذا وقع خبراً نوعان: اسم زمان واسم مكان، اسم المكان في الغالب أنه إذا أخبر به عن المبتدأ مطلقاً بنوعيه أفاد، ولذلك جوزوا أن يخبر باسم المكان عن المبتدأ مطلقاً سواء كان جثة أو لا.
وأما اسم الزمان فلما كان الإخبار به عن اسم المعنى مبتدأ اسم معنى لما كان الغالب أنه يفيد لم يستثنوه، وأما لما كان الغالب في ظرف الزمان أو اسم الزمان أنه لا يفيد إذا أخبر به عن الجثة قالوا: هذا يمنع، والعلة في عدم الجواز أن الشأن في أسماء الذوات جثة -الأصل فيها- أن يكون وجودها مستمراً في جميع الأزمنة، إذا قيل: زيد وهو حي، إذاً في الماضي سنة سنتين ثلاث واليوم وغداً هذا الأصل فيه أنه موجود في جميع الأزمنة فيستغرق الماضي بحسبه، والحال والمستقبل بما كتب له، هذا الأصل فيه، إذاً الجثة هذه التي أخبر عنها سواء كان إنسان أو غيره الأصل فيه أنها مستمرة في جميع الأزمان، فالإخبار عنها باسم الزمان الدال على حصة معينة منه يكون تخصيصاً للذات؛ لأن اسم الزمان مهما كان لابد أنه يدل على شيء معين قدر معين حينئذٍ يحصل نوع تعارض بين وجود الذات والجثة في جميع الأزمنة وبين تخصيصه بزمن معين، زيد اليوم، زيد موجود في كل يوم كونك تخبر عنه بكونه في اليوم، هذا ما الفائدة منه؟ هذا فيه نوع تخصيص له بزمن معين والأصل فيه الاستمرار في جميع الأزمنة، فالإخبار عنها باسم الزمان الدال على حصة معينة منه يكون تخصيصاً للذات بالوجود في زمن خاص مع أن وجودها حاصل في غير هذا الزمان مثل حصولها فيه، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يفيد السامع شيئاً لم يكن يعلمه، فزيد اليوم نقول: هذا فاسد لم يفد؛ لأن زيد موجود في اليوم وقبل اليوم وغداً، فكونك تخبر عنه بأنه اليوم، هل حصلت فائدة؟ لم تحصل فائدة البتة، إذاً منع هذا النوع لهذه العلة، وأما إذا كان اسم معنى فالأصل فيه الموافقة كذلك إذا كان الظرف اسم مكان حينئذٍ يجوز الإخبار به مطلقاً.
قال: ولا يقع خبراً عن الجثة إلا إذا أفاد، نحو: الليلة الهلال، الهلال جثة والليلة هذا اسم الزمان، حينئذٍ وقع الإخبار عن الجثة باسم الزمان، والرطب شهري ربيع، رطب جثة، شهري ربيع هذا زمان، رطب هذا مبتدأ، شهري هذا خبر، فإن لم يفد لم يقع خبراً عن الجثة نحو زيد اليوم، وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقاً فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم: الليلة الهلال، يعني: الليلة طلوع الهلال، والطلوع هذا جثة أو معنى؟ معنى، إذاً أخبر باسم الزمان عن اسم معنى، فيرد إلى اسم المعنى، والرطب شهري ربيع، يعني: وجود الرطب، والوجود هذا شيء معنوي فأخبر عنه باسم الزمان، وهذا مذهب جمهور البصريين.