وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، يعني الابتداء هو العامل في المبتدأ وهذا لا إشكال وافقنا، وأن العامل في الخبر هو الابتداء أيضاً، لكن نقول: فالعامل فيهما معنوي؛ لأنه اقتضاهما.

وضُعِّفَ بأن أقوى العوامل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى أولى بألا يعمل.

عامل لفظي يرفع معمولين، هذا لا يكاد أن يكون له نظير، وهو عامل لفظي إلا إذا كان الثاني تابعاً للأول، وأما كل واحد منهما مستقل هذا لا نظير له، فحينئذ إذا كان العامل اللفظي وهو أقوى وهو الأصل في العوامل لا يعمل رفعين، فحينئذ المعنوي الضعيف والأصل فيه ألا يعمل ألا يرفع معمولين؛ ولذلك صار ضعيفاً.

وذهب قوم إلى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ، وهذا قول المبرد وهو قول بما لا نظير له، أن يجتمع عاملان على معمول واحد، هذا ما يصح، هذا كالزوجين على الزوجة، نقول هذا محرم ما يجوز.

وقيل: ترافعا كل منهما رفع الآخر، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر، كل منهما مفتقر إلى الآخر، افتقار المبتدأ إلى الخبر، أو الخبر إلى المبتدأ، هذا بالاعتبار السابق، لكن ما دام أمكن أن يعلق على عامل معنوي وهو صحيح معتبر وجعل له محل وهو اسم واحد وهو المبتدأ، حينئذ أولى من أن يقال: بأنهما ترافعا وهذا مذهب الكوفيين واختاره السيوطي في جمع الجوامع.

وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول:

وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بِالاِبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا

وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ ... كَا اللهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَه

لما بين لنا الجزء الأول وهو المحكوم عليه -المسند إليه- وهو المبتدأ، وكان هذا الباب معقوداً لبيان الجزأين معاً: الجملة الاسمية المبتدأ والخبر، حينئذ لزم أن يبين لنا ما هو الخبر؟

فقال هو: الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ يعني مع المبتدأ؛ لأن الجزء المتم الفائدة هذا يشمل كل ما أفاد مع غيره، قام زيد، زيد هذا جزء تمت به الفائدة مع (قام)، مع ذلك لا نقول خبر.

هل يعترض على الناظم بهذا؟

نقول الصحيح: لا، لا يعترض على الناظم بهذا، لماذا؟ لسببين:

أولاً: أنه عرف الخبر تحت باب المبتدأ، حينئذ لا يحشر معنى الفاعل.

ثانياً: قال: كَاللهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَه حينئذ دل على أن المراد بالجزء الذي تمت به الفائدة هو قوله: بر مع لفظ الجلالة الله مع المبتدأ، وكذلك شاهده مع قوله: الأيادي.

إذاً: اعتراض ابن عقيل هنا ليس له وجه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015