وأخوك نقول: هذا خبر مرفوع، ما العامل فيه؟ زيد نفسه، زيد جامد ليس بمشتق كيف عمل؟ قالوا: لاقتضائه الخبر؛ لأن العامل إنما يعمل لكونه يقتضي ما يتمم معناه، ولذلك لما كان الفعل أشد إبهاماً واحتياجاً لغيره من الأسماء كان أصلاً في العمل؛ لأن الفعل (قام) يدل على حدث، ويحتاج إلى فاعل، ويحتاج إلى زمان، ويحتاج إلى مكان، ويحتاج إلى كل ما يسمى متعلقاً يتعلق بالفعل من مُمَيِّزٍ، وحال، وظرف، وجار، ومجرور .. ونحو ذلك، فالأصل في هذه أنها متعلقة بالفعل، فلما كان الفعل أشد إبهاماً واحتياجاً كان أصلاً في العمل، كل ما افتقر إلى غيره فحينئذ أشبه الفعل من حيث الافتقار، وهذا هو خاصية العمل، ما المراد بالعمل، عندما يقول: عامل ومعمول، ضربت زيداً، نقول: الضرب هذا –ضرب- يفتقر إلى فاعل، ويفتقر إلى محل يقع عليه الفعل، ويفتقر إلى زمان، ويفتقر إلى مكان .. إلى آخره، ضربت زيداً، إذاً بينت أن الضارب هو أنا (ضربتُ) وأن هذا الحدث وقع في زمن مضى، ثم هذا الضرب وقع على زيد، بقي ماذا؟ بقي المكان مثلاً لم يبين، ضربت زيداً في داره، ضربت زيداً يوم الجمعة صار تقييد؛ لأنه يحتمل ماذا؟ إذا كان الزمان في ضرب دل على شيء ماض، إلا أنه فيه نوع إطلاق وعموم، فيحتاج إلى تقييد، حينئذ كل ظرف مكان أو ظرف زمان يعتبر مقيداً للفعل، ضربت زيداً يوم الجمعة في داره ضرباً شديداً مبرحاً .. إلى آخره.
فنقول: هذه كلها تقييدات، وكلما زادت رفعت الإبهام عن الفعل، وكلما نقصت كان في الفعل إبهام نوعاً ما، لكن لا يقدح في كونه جملة فعلية؛ لأن الشرط هو تحقيق المسند والمسند إليه وقد وجدا، ولذلك قلنا في الفائدة هناك: ألا ينتظر السامع لشيء انتظاراً تاماً، احترازاً من الانتظار الناقص فلا يقدح في صحة الجملة.
حينئذ عمل المبتدأ لافتقاره واحتياجه إلى الخبر؛ إذ الأصل في المبتدأ أن يكون محكوماً عليه، هذا الأصل، فإذا كان محكوماً عليه فهو مفتقر إلى ما يحكم به عليه، ولذلك عمل في الخبر، هذا وجه كون المبتدأ يعمل في الخبر وهو ليس وصفاً، وإنما هو جامد، كافتقار المضاف إلى المضاف إليه؛ لأن ثم ما يرد أن يقال: بأن المضاف، غلام زيد، قلنا زيد هذا الصواب أنه مجرور بغلام بذات الكلمة، كيف جرت وعملت وهي اسم جامد؟ والأصل في الجامد ألا يعمل، والأصل في الأسماء كلها ألا تعمل، وإنما أُعمل منها ما أشبه الفعل وهو المشتق وهذا لم يشبه الفعل، نقول: أشبه الفعل لا من حيث لفظه، وإنما من حيث ما يقتضيه ويطلبه، فالمضاف مفتقر افتقاراً تاماً إلى المضاف إليه.
إذاً: كَذَاكَ أي: كرفع المبتدأ بالابتداء.
رَفْعُ خَبَرٍك هذا مبتدأ مؤخر، وكَذَاكَ: خبر مقدم
بِالْمُبْتَدَا: هذا ظرف له متعلق بقوله: رَفْعُ، بِالْمُبْتَدَا وحده ليس مع الابتداء؛ احترازاً ممن قال: المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالمبتدأ والابتداء معاً، وهذا ضعيف، بل المرجح هو ما ذكره الناظم وهو مذهب البصريين وكثير من النحاة المتأخرين: أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ.
إذاً العامل العامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه.