قال: وأشار بقوله: وَفِي ذَا الْحَذْفِ ... الخ: إلى المواضع التي يُحذف فيها العائد على الموصول، وهو إما أن يكون مرفوعاً أو غيره -منصوباً أو مجروراً- فإن كان مرفوعاً لم يُحذف إلا إذا كان مبتدأً وخبره مُفرد، وسيأتي التعليل لماذا خُص بهذه الحالة، نحو: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] و ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] فلا تقول: جاءني اللذان قامَ، بحذف الألف، لأنها فاعل، وإذا كانت فاعلاً حينئذٍ شرط صحة حذف صدر الصلة أو العائد إذا كان مبتدأً، وقاما: الألف هذه فاعل، إذاً لا يجوز حذف العائد.
ولا اللذانِ ضُرِبا: يعني ضُرِبا بحذف الألف نقول هذا لا يجوز، لأن هذا العائد يعود على الموصول، وهو مرفوع، فلا يجوز حذفه لا لكونه مرفوعاً وإنما لكون شرط صحة جواز المرفوع أن يكون مبتدأً، وهذا نائب فاعل.
وأما المبتدأ فيُحذف مع (أَيٍّ) وإن لم تطل الصلة، انتبه، يعني: التفصيل الذي ذكره ابن مالك: إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ لَمْ يُسْتَطَلْ: ليس في (أَيٍّ)، بل (أيٌّ) يحذف منها صدر الصلة مطلقاً بدون استثناء، بدون تفصيل، وأما غير (أَيٍّ) فيأتي التفصيل.
كما تقدم من قولك: يُعْجِبُني أيهم قائم، أيهم هو قائم ونحوه، ولا يُحذف صدر الصلة مع غير (أَيٍّ) إلا إذا طالت -بهذا الشرط- نحو: جاء الذي هو ضاربٌ زيداً، انظر كيف حكمنا عليه بكونها طويلة، هو ضاربٌ مبتدأ وخبر، ثم هذا الخبر رَفَعَ ضميراً مستتراً يعود على زيد "هو"، زيداً، نقول: هذا مفعول به، إذاً طالت الصلة، جاء الذي ضاربٌ زيداً، صح لماذا؟ لأنه لا يلتبس يُعلم المحذوف من لفظ الجملة، لأن الذي بقي بعد الحذف مُفرد، والمفرد لا يمكن أن يكون صلة البتة، لأنه كما سبق:
وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ: لابد أن يكون جملة أو أن يكون شبه جملة، وجاء الذي ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هذا ليس بجملة، ولا بشبه جملة، حينئذٍ علمنا أن ثمَّ ما هو محذوف من التركيب، الذي هو ضاربٌ زيداً.
فإن لم تطل الصلة في غَيْر أَيٍّ فالحذف قليل، لا يُقاس عليه عند البصريين، وأجازه الكوفيون قياساً، نحو: جاء الذي قائمٌ، جاء الذي هو قائم، مثل: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69]، نقول: هذا الأصل عدمه، لماذا؟ لأن الصلة هنا ليست بطويلة بل هي قصيرة، جاء الذي هو قائم، ومنه قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} بقراءة الرفع، بقراءة يحيى بن يعمر، والتقدير هو أحسنُ، ومثلها: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26]، -بالرفع- ((مَا بَعُوضَةٌ)) على جعل (ما) هنا موصولة، مثلاً الذي هو بعوضة فما فوقها، فحينئذٍ نقول: هذا مسلك الكوفيين استدلالاً بهذه القراءة في الرفع في الحالتين، حينئذٍ يكون الأصل هو جواز الحذف مطلقاً، لكن لندوره وقلته قالوا: لا يكون قياساً مطلقاً، بمعنى أنه: يكون في متسع الكلام وفي الاختيار وإنما عند الحاجة إليه.
ثم قال رحمه الله: