وَأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ، وَأَبَوْا: يعني امتنع النُحاة، أبى يأبى، يعني: امتنع، ((وَيَأْبَى اللَّهُ)) [التوبة:32]، وَأَبَوْا: أي امتنع النُحاة. أنْ يُخْتَزَلْ: يعني من تجويز أنْ يُخْتَزَلْ، أن يُقطع العائد، يعني يحذف.
إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: يعني: إن كان بعد المحذوف ما يصلح أن يكون جملةً امتنع الحذف، وهذه عامة في أَيٍّ وفي غيرها، ليست خاصة بـ (أي) وليست خاصة بغير (أي) بل هي عامة في جميع الموصولات التي جوَّزنا فيها حذف العائد، فحينئذٍ إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي بعد الحذف لِوَصْلٍ مُكْمِلِ -يكمل به الموصول- في تمام المعنى امتنع الحذف، لأنه لا يجوز حذف ما لا يُعلم بعد الحذف، هذه قلنا قاعدة مضطردة في كل الفن من أوله إلى آخره، ما لا يُعلم بعد الحذف لا يجوز أن يُحذف، لو كان التركيب: جاء الذي هو يضربُ، هل يجوز الحذف هُنا؟ لا يجوز لأنك إذا قلت: جاءَ الذي يَضْرِبُ ظننت أن الجملة -جملة الصلة- ابتداءً جملة فعلية وهي جائز، جاء الذي هو عندك، يجوز؟ لا يجوز، جاء الذي عندك، حينئذٍ يُظن أن عندك ابتداءً هي جملة الصلة، جاء الذي هو في الدار، نقول: هو لا يجوز أن يُحذف لماذا؟ لأنه بعد الحذف لا يُعلم المحذوف، وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، فإن لم يعلم حينئذٍ امتنع الحذف.
وَأَبَوْا: يعني: امتنعوا، أنْ يُخْتَزَلْ العائد، أن يحذف العائد ويقتطع إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي يعني: بعد حذفه لِوَصْلٍ مُكْمِلِ، يعني: للموصول، كأن يكون جملةً، يعني: بعد الحذف، ولهذا قلنا: الشرط أن يكون مبتدأً، وأن يكون الخبر مفرداً، فإن كان الخبر جملةً فعلية أو اسمية أو ظرفاً تامَّاً، أو جارَّاً ومجروراً تاماً امتنع الحذف، كل ما يصلُح أن يكون جملة صلة بعد الحذف امتنع حذف العائد، كأن يكون جملةً أو ظرفاً أو مجروراً تاماً، لأنه لا يُعلم أَحُذِف منه شيء أم لا، لعدم ما يدل عليه ولا فرق في ذلك بين صلة (أَيٍّ) وغيرها، فالحكم عام في (أَيٍّ) وغيرها.
فلا يجوز جاءني الذي يضربُ، نقول: لا يجوز، على أن المراد جاءني الذي هو يضرب، لأن (هو) مبتدأ وجملة يضرب خبر لمَّا حذف المبتدأ جاز للخبر أن يكون صلة، فحينئذٍ التبس هل فيه محذوف أم لا؟ فالأصل عدم الحذف. على أن المراد الذي هو يضرب أو جاءني الذي أبوه قائم، لو قال الأصل: جاءني الذي هو أبو قائم، فأبوه مبتدأ ثاني، حينئذٍ حذف الأول، وقال: جاءني الذي أبوه قائمٌ، نقول: لا يصح، لأن أبوه قائم هذا يصلح أن يكون جملةً استقلالاً، حينئذٍ: يجب أن يُذكر المبتدأ الأول، فيقال: جاءني الذي هو أبو قائمٌ، ولا يجوز حذفه، أو جاءني الذي عندك أو في الدار على أن المراد الذي هو عندك أو هو في الدار ولا يعجبني أيُّهم يضرب، على أن المراد: هو يضرب، هذا لا يجوز، جاز هناك {أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، أيهم هو أشد، لأنه لما حذف هو بقي أَشَدُّ، نقول: أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أشد هذه كلمة واحدة، ويشترط في جملة الصلة أن تكون جملةً أو ظرفاً أو جاراً ومجروراً وليست بظرف ولا بجر حينئذٍ تعيَّن أن تكون جملة، وإذا تعيَّن أن تكون جملة حينئذٍ هي خبرٌ لمبتدئٍ محذوف لأن التركيب لا يتم إلا بذلك.