فالأول -الذي هو مقام التهويل- نحو: جاء الذي، أو الأول الذي هو اشتراط لأن تكون معهودة: جاء الذي قام أبوه. والثاني: هي الواقعة في معرض التهويل والتفخيم: ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78] يعني: هول عظيم.

وكذلك إرادة الجنس: ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)) [البقرة:171] كالذي، ليس ثمَّ ما هو معهود بين المتكلم والمخاطب لإرادة جنس مدخول (الذي)، يعني: الذي هو صلة الموصول.

إذاً الشرط: أن تكون جملة الصلة معهودة بين المتكلم والمخاطب، إلا في مقامين:

أولاً: مقام التهويل والتعظيم، ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78].

الثاني: إرادة الجنس، ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ)) [البقرة:171].

وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ: نقيدها بكونها معهودة، وإن جرى أكثر النحاة على أن الجملة يشترط فيها ثلاثة شروط ولا يذكرون أنها تكون معهودة، لكن بعضهم قيدها بما ذكرنا، بأن الأصل في جملة الصلة أن تكون رافعة للإبهام، ولا يمكن أن يكون المخاطب قد حصل عنده رفع للإبهام إلا إذا كانت الصلة معلومة، وإلا إن جُهل مصدق (الذي) وجهلت الصلة حينئذٍ كيف تم به؟ هذا أمر متعذر.

ويشترط في الجملة أيضاً: أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، يعني: لا إنشائية، الخبرية معلومة، ما هي الخبرية؟ ما هي الجملة الخبرية؟ ما احتمل الصدق أو الكذب لذاته، حينئذٍ احترازاً من الإنشائية والطلبية، الطلبية هي نوع من الإنشاء. حينئذٍ لا تقع الجملة جملة الصلة إلا خبرية لفظاً ومعنى. وأما الإنشائية والطلبية فهذه لا تقع صلة للموصول.

إذاً: يشترط في جملة الصلة أن تكون خبرية لا إنشائية، وهي المقارِن حصول معناها للفظها فلا يوصل بها. لا يوصل بها؛ لأن الخبرية معنى اللفظ سابق على اللفظ، بخلاف الإنشائية والطلبية، فإما أن يكون مقارناً للفظ، وإما أن يكون متأخراً عن اللفظ. أليس كذلك؟ إذا تكلمت بكلام معناه إما أن يكون سابقاً: زيد قام، في الزمن الماضي، قبل أن أتكلم وقع الحدث قبل كلامي، قام زيد، زيد قائم، قد يكون في أثناء كلامي بلفظه حصل الحدث. بعتك داري: هذه ألفاظ إنشائية، بعتك داري. أو إذا كان في المستقبل كأن تأتي بـ (ليت، ولعل) ونحو ذلك من المسائل التي يكون مدلولها في المستقبل لا في الماضي ولا في الحال، حينئذٍ نقول: يشترط في الخبرية أن يكون اللفظ الذي حصل به الإخبار قد وقع حدثه قبل اللفظ، وهذا هو معنى الخبرية، احترازاً من الإنشائية، وهي المقابل حصول معناها للفظها فلا يوصل بها، والطلبية: ما يكون مطلوبها أو مدلولها يقع بعد اللفظ.

قال ابن مالك: لأن الصلة معرفة للموصول، فلا بد من تقدم الشعور بمعناها على الشعور بمعناه. هي معرفة للموصول، جاء الذي قام أبوه، حينئذٍ لا بد أن يكون قام أبوه متقدم في العلم على (الذي)؛ لأن هي معرفة له، حينئذٍ إذا كانت معرفة لا بد أن يسبق الشعور بمعناها الشعور بمعنى (الذي)، هذا واضح بين، أمر عقلي.

وخرج الطلبية وهي أولى بالامتناع من الإنشائية، لأنها لم يحصل معناها بعد، فهي أبعد عن حصول الوضوح بها لغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015