أَيَّامًا)) على هذا التركيب لعلكم تتقون تقع التقوى في هذه الأيام المعدودات فحسب، وليس هذا المراد بالصوم، وإنما المراد أن تكون التقوى صفة لازمة لهم، وإذا جعلنا ظرفاً له جعلنا التقوى محلاً أو جعلنا هذه الأيام المعدودات محلاً للتقوى فسد المعنى، ليس هذا المراد، بل الصوم يكون سبباً في حصول التقوى أبداً وأمداً، وليست في هذه الأيام فحسب، حينئذٍ نقول: ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:184]، هذا إما أنه منصوب باسم المصدر، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) [البقرة:183] ((أَيَّامًا)) [البقرة:80]، أو نجعله مفعولاً به لفعل محذوف (صوموا أياماً معدودات)، على كلٍ هذا أو ذاك قدرناه محذوفاً أو الموجود فالمراد بأيام معدودات أنها ظرف للصوم لا للتقوى، وفرق بينهما.
إذاً (ما) تكون مصدرية وزمانية، يقدر الزمان قبلها، تؤول بزمن أو ظرف على المشهور مضاف إلى مصدر، وتوصل بالفعل المتصرف غير الأمر، توصل بالفعل المتصرف، لكن الأمر لا، والأكثر كونه ماضياً، والأكثر في صلتها أن يكون ماضياً، (لا أصحبك ما دمت منطلقاً)، لا أصحبك (ما) نقول: هذه مصدرية زمانية، وهنا لو قلنا ظرفية لا إشكال، لأن التقديم (لا أصحبك مدة)، دوامك منطلقاً، ما دمت منطلقاً: أي مدة دوامك، مدة هذا مثل الوقت والزمان، فهو اسم زمان، وهنا نُصِب، حينئذٍ لا إشكال، أي في مدة دوامك، صار ظرفاً، لا إشكال فالمصطلح المشهور انطبق على هذا، أما الآية السابقة نقول هذه لا يتأتى فيه ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) [البقرة:20].
فحينئذٍ هي مصدرية لأنها أُوَُِّلت مع ما بعدها بمصدر –دوام- وظرفية لأنها أضيفت إلى ظرف سبقها ظرف، وهنا انظر لأنه سيأتيك -لا أصحبك ما دمت منطلقاً: مدة دوامك- سيأتي أن (دام) المشهور عند النحاة أنها لا مصدر لها، هذا المشهور، بعضهم يحكي إجماع، وفي هذا المحل يقولون:
ما دمت منطلقاً مدة دوامك: يقدرون لها مصدر، ولذلك نقض عليهم الصبان، كما سيأتي في هذا الموضع في باب (كان) أنهم اتفقوا على التقدير في هذا المحل في مثل هذا المثال، لأن المثال مطرد عندهم: مدة دوامك منطلقا: ثم إذا جاءت دام هناك قالوا لا مصدر لها، كيف لا مصدر لها؟ هذا تعارض، حينئذٍ نقول: دام لها مصدر، لهذا المثال الذي يذكرونه هنا وأطلقوا على التمثيل به فانتبه.
لا أصحبك ما دمت منطلقاً: يعني: مدة دوامك منطلقاً.
وغير زمانية، نحو: عجيب مما ضربتَ زيداً، يعني: عجبت من ضربكَ زيداً، فجاءت (ما) هنا مصدرية، لكنها غير زمانية، غير ظرفية، يعني لا تقدر لفظ الزمن أو الظرف قبل المصدر، إذاً ما تكون مصدرية، ثم هذا المصدر قد تقدر قبله اسم زمان أو لا، الأول: تسمى مصدرية زمانية، والثانية: مصدرية فحسب.