حينئذٍ نقول: (أَنْ): حرف مصدر، (تَصُومُوا) صلتها، فحينئذٍ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف في تأويل مصدر؟ بمعنى: أنه يصح في التركيب أن تأتي في مكان (أن) ومدخولها الفعل المضارع بمصدرٍ ويستقيم معه الكلام، إن استقام حينئذٍ هي مصدرية، وإن لم يستقم فحينئذٍ لابد من تخريجه، ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] صيامكم صومكم خيرٌ لكم، صح التركيب، حينئذٍ نقول هذه (أن) مصدرية، ووصلت بالفعل المضارع، ووصلها به معناه أنها تؤول بمصدر، وتأويلها بمصدر، يعني: تفسر بمصدر يحل محلها، وليس المراد أنها تنسبك معه، تدخل معه، لا، ليس هذا المراد هذا بعيد، بل مُحال.
والموصولات الحرفية خمسة أو ستة على خلافٍ في (الذي) جمعها جامع في قوله:
وهاكَ حُرُوفاً بالمصادِرِ أُوّلتْ ... وذِكري لَهَا خمساً أصَحُّ كَمَا رَوَوْا
وها هِي أَنْ بالفَتْح أَنَّ مُشَدَّداً ... وزِيدَ عَلَيْهَا كَيْ فَخُذْها وَمَا ولَو
وزاد ابن هشام تبعاً لابن مالك - رحمه الله تعالى - الذي قال هو موصول اسمي إذا أؤول مع ما بعده وحكي الاتفاق على أنه باقٍ على أصله، يعني: السادس الذي زِيد لا يقال بأنه حرفي، ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] كما سيأتي.
حينئذٍ نقول: الموصولات الحرفية هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإن زيد عليها (ما) حينئذٍ نقول ما يؤول بمصدر نوعان: اسم وحرف، اسم وهو هذه الخمسة، وحرفٌ هي الستة المذكورة: (أن وأن وما عطف عليها) والاسم خاص بـ (الذي) وهذا أكثرهم على رده، أكثرهم على أنه ليس بحرف مصدري، أو أنه لا يؤول مع ما بعده بمصدرٍ، زاد بعضهم على قلةٍ: همزة التسوية هل تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهذا مثلوا له -قد لا يكون له إلا بعض الأمثلة-: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] قالوا هذه همزة التسهيل واقعة بعد لفظ سواء، ((أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6]، يعني: سواء مستوٍ إنذارهم وعدمه ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] أي إنذارهم وعدمه، وهذا أيضاً عند الكثير أنه يمنع، والآية هذه مما كثر فيها الكلام.
إذاً الموصولات الحرفية على المشهور خمسة: وجعلها في التوضيح تبعاً لابن مالك ستة أولها: (أن) المصدرية، بفتح الهمزة وسكون النون، (أن) وأن هذه لها ألفاظ كل موضع يأتي محله، لأنها تأتي مخففة من الثقيل، أو تأتي مصدرية، والمصدرية هي التي تختص بالفعل المضارع فتنصبه، (أن) بفتح الهمزة وسكون النون، وهي أن مصدرية، أي: حرف مصدري، وإذا قيل حرف مصدري، بمعني: أنها تؤول مع ما بعدها بمصدرٍ فيؤتى بالمصدر في محلها فيستقيم الكلام، وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً، يعني: سواء كان مضارعاً أو ماضياً أو أمراً على خلافٍ، بخلاف الجامد، فلا توصل به كـ (عسى) و (هب) و (تعلم) هذا لا توصل به إتفاقاً، وإنما توصل بالفعل المُتصرف، والمراد بالفعل المتصرف سواء تصرف تصرفاً تاماً أو ناقصاً كما سيأتي في باب كان وأخواتها.