وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً فالأمر محل نزاع عَجِبْتُ من أن قام زيد، هذا مثلوا به لـ (أن) موصولة بالفعل الماضي، عَجِبْتُ: فعل وفاعل، من أن: هنا دخلت من على أن، استدلوا بدخول حرف الجر -وهذا أعظم دليل على وجود أو الاستدلال بكون الحرف حرفاً مصدرياً- دخول حرف الجر عليه، من أن: دخل حرف الجر على (أن) حينئذٍ لا يمكن أن توجه أن بأي معنى من المعاني التي يمكن أن تحمل عليها إلا أن تكون مصدرية، وفي همع الهوامع تفصيل لهذا.

أن: حرف مصدر، قامَ زيدٌ حينئذٍ قامَ زيدٌ نقول هذه الجملة فعل فاعل، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف نأتي بهذا المصدر، عَجِبْتُ من قيام زيدٍ، ننظر إلى الفعل ومادته وهو قاف والواو من قام قَوَمَ هذا الأصل، والميم، فنأتي بالمصدر مضافاً إلى ما أُسند إليه الفعل، والذي أُسند إليه الفعل ما هو؟ زيد وهو الفاعل، حينئذٍ تقول: عَجِبْتُ من قيام زيدٍ، جعلت زيداً الذي هو فاعل مضافاً إليه، وجعلت المصدر الذي أُلتُقِط من الفعل وهو القيام، جعلته مضافاً وسلط عليه العامل وهو حرف الجر، عَجِبتُ من قيام زيدٍ.

وكذلك بالمضارع ومثاله ما ذكرناه وهو ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184]

وأمراً –الأمرُ- وهذا محل خلاف نص سيبويه على وصلها بالأمر، أنها توصل بفعل الأمر، استدلوا له بقولهم:

أشرت إليه بـ (أن) قُمْ:

بـ (أن) قُمْ هذا لا يمكن أن تكون تفسيرية لأن حرف الجر دخل على (أل) التفسيرية يشترط فيها ألا يسبقها حرف جر، فإن سبقها حرف جر فليست تفسيرية كما يأتي في محله.

قُمْ: هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل المُسند إليه ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت.

أشرتُ إليه بـ (أن) قم: أي أشرت إليه بالقيام، إذاً بـ (أن) قُمْ، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، هكذا قال سيبويه، أنه توصل بالأمر والدليل على أنها مصدرية دخول حرف الجر عليها، استدل رحمه الله بكونها موصولة بدخول حرف الجر عليها.

وقال أبو حيان: جميع ما استدلوا به على وصلها بفعل الأمر يحتمل أن تكون تفسيرية، وهذا على القول بجواز دخول حرف الجر على التفسيرية والصواب المنع، كما يأتي في محله، وقواه بأمرين:

أولاً: أنها إذا سُبِكَت والفعل بمصدر، فإن معنى الأمر المطلوب ذهب، فاتَ. أشرتُ إليه بأن قُم، لكن الظاهر والله أعلم أنه لا يفوت، أشرت إليه بأن قُم، أشرتُ إليه بالقِيام، والإشارة معلومة أنها إشارة حسية، والأصل فيها أنها يُفهم منها الأمر، كما سبق معنا، أن الأمر أعم من القول وقد يكون بالحركة بالإشارة ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم {أشار إليهم}، فدل على أن الإشارة قد تكون أمراً. وقوله هنا بأن وصلها بالأمر يفوت معنى الأمر المطلوب ليس بظاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015