هذه الحقائق التي وضع الواضع اللفظ بإزائها، نقول كما وضع ماء لهذا المسمى وضع كلمة رجل لمعنى وهذا المعنى هو: ذكر بالغ من بني آدم، هذا معنى أو شيء محسوس معنى من المعاني، كونه بالغ من بني آدم وذكر نقول: هذا معنى من المعاني، أين وجوده؟ في الذهن إذاً وضع كلمة رجل لهذا المعنى كما وضع كلمة ما لهذا المحسوس الذي تراه، إذاً هذا الذي وضع له كلمة رجل هل هو شيء خاص بفرد من الأفراد أو أنه قدر مشترك، عرفنا أن القدر المشترك المراد به: أنه كل شخص من الموجودين في مكانٍ ما نقول: يصدق عليه أنه رجل، نجيب رجل، محمد رجل، أيمن رجل ... الخ إذاً صدق اللفظ عليها.

القدر المشترك هذا الذي وضع له كلمة رجل قد يلاحظ الواضع إذا أراد أن يضع اللفظ على الحقيقة الكلية قد يضع اللفظ على الحقيقة الكلية ولا يُلتفت إلى الأفراد في خارج الذهن، لأن اللفظ هنا إذا أطلق انصرف إلى المعنى الذي يكون في الذهن، طيب قد يضع اللفظ بإزاء المعنى دون اعتبار الأفراد لا يلتفت إليها وقد يضع اللفظ بإزاء المعنى الكلي مع ملاحظة الأفراد، إن لم يلاحظ الأفراد فهو علم الجنس، وإن لاحظ الأفراد فهو اسم الجنس والحمد لله.

علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد -هذه عبارة الشيخ الأمين في المقدمة- واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، وإيضاحه أن معنى الأسد مثلاً شيء واحد، معنى الأسد، كما هو معنى الرجل شيء واحدٌ وهو مجموع الحيوانية والافتراسية مثلاً، فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيءٌ واحدٌ لا تعدد فيه -لا يقبل التعدد- الحقيقية الكلية، كل الحقائق الكلية شيء واحد لا يقبل التعدد، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية، كزيد ومحمد وخالد ... الخ نقول: وجد فيه القدر المشترك وحصل التعدد، ورجل ورجل ورجل نقول هذا وجد في الفرد الخارج وبتعدد الفرد الخارج نقول وجد التعدد.

فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيء واحد لا تعدد فيه وإنما التعدد في الأفراد الخارجية المشتركة فيه، فوضعوا علم الجنس لذلك المعنى الذهني وهو شيء واحد، فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج وهذا يرد على ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، الصواب أنه يدخل فيه علم الجنس وعلم الشخص، لأن علم الشخص فيه تعيين للمسمى لكن في خارج الذهن وهذا حكم أغلبي كما ذكرناه، وعلم الشخص فيه تعيين المسمى لكن في الذهن لا في الخارج، إذاً هو معرفة أو لا؟ معرفة, هو علم أم لا؟ نقول: علم. إذاً فالحد السابق يشمل النوعين من علم الشخص وعلم الجنس.

فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج، يعني علم الجنس شخصوا به حددوا عينوا ميزوا في الذهن لا في الخارج، لأن هذه حقائق الحيوانية الافتراسية، ومعنى مثلاً: الإيمان ومعنى الإسلام كلها موجودة في الذهن، هذه حقائق ذهنية، فحينئذٍ لابد من تمييز بعضها عن بعض، فإذا كان كذلك ما وضع لما هو في الذهن خاصة نقول هذا حصل به التشخيص، وحصل به التعيين، كتشخيص الشخص بعلمه في الخارج فعلم الجنس يشخص مسماه في الذهن لا في الخارج، وعلم الشخص يشخص مسماه في الخارج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015