استعملته وتكلمت ونطقت به قلت: هذا أسامة وهذا أسدٌ، هذا أسامة استعملته في فردٍ، هل وضع له في الأصل؟ الجواب لا. لكن دلالته على هذا اللفظ على هذا الفرد دلالة التزامية بمعنى أنه إذا وضع في الذهن اللفظ لهذا المعنى الذهني هل معنى ذلك أنه لا يستعمل في الخارج؟ لأنه إذا لم يستعمل ما الفائدة في وضعه؟ لا فائدة، لأننا نقول هذا المعنى الذي في الذهن وضع له لفظ أسامة، فإذا استعملته في الخارج؟ نقول: استعمالك لهذا اللفظ الذي وضع للحقيقة الذهنية -مع قطع النظر عن أفراده في الخارج- استعماله في الفرد المعين بدلالة الالتزام، لأنه لا يمكن أن يوجد هذا المعنى في خارج الذهن إلا في ضمن أفراده، وأما إذا قلت: هذا أسدٌ، حينئذ أسد مفهومه للمعنى الذهني مع فرد في الخارج، فإذا استعملته حينئذٍ كان دلالة أسد على هذا الفرد دلالة مطابقة، هذا الفرد الذي أطلقت عليه أسد وضع له اللفظ، فحينئذٍ استعملته في محله فيما وضع له، وإن كان الأصل هو للمعنى الذهني لكن مع مراعاة الفرد الخارجي المبهم، فلو قلت: هذا أسد كان استعمالاً للفظ في فرد وضع له في أصل الوضع، وأما أسامة فهذا استعمال للفظ في فرد لم يوضع له أصلاً وإنما دخل عليه دلالة التزام لأن هذه الحقائق لا توجد خارج الذهن إلا في ضمن أفرادها، فالفرد الذي صدق عليه أسامة دل عليه التزاماً والفرد الذي صدق عليه أسد دل عليه بدلالة المطابقة.
إذاً قول الملَّوي، والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية، واسم الجنس موضوع لفرد مبهم.
وقال الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك، ما هو القدر المشترك؟ هو الحقيقة الكلية،
فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكليُّ،
هذا معنىً من المعاني الكلية وجوده وجود ذهني، وهو الذي يصدق عليه الكلي عن المناطقة.
إذاً القدر المشترك بين الجميع، -مع أن التفاوت في الأسماء وفي الأشكال هذا تفاوت كبير ومع ذلك ثم قدر مشترك- هذا القدر المشترك يقول: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد، يعني: لا يلاحظ عند وضع هذا اللفظ لهذا المعنى الكلي مراعاة الأفراد، الأفراد صارت نسياً منسياً لم يلتفت إليها الواضع البتة، هذا أين؟ في علم الجنس، واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك، إذاً اشتركا، علم الجنس واسم الجنس اشتركا في كون كل منهما روعي فيه القدر المشترك، إلا أن اسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، هذا تحرير جيد من الشيخ رحمه الله.
القدر المشترك: هو إذا قلت: (ماء) لفظ (ماء) ما هو مسماه؟ الذي تراه ولا تنطق به والاسم هو الذي على اللسان، والذي تراه هو مسمى (الماء)، مسمى اللفظ قد يكون حسياً تراه بعينك، وقد يكون مسمى اللفظ أمر معنوي معقول، الحسي هذا أمره سهل تدركه بعينك، ليس فيه خلاف، أما المعاني التي تكون في الذهن وضْعُ الواضع للفظ بإزاء المعنى الذي يكون في الذهن كوضع الماء بإزاء المعنى الذي تراه بعينك.