خَفَّفا ... بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا: من العرب من الشعراء، خففوا ماذا؟ خففوا نون منِّي، فقالوا: مني، وعنّي فقالوا: عني، فالأصل حينئذٍ إذا كان اضطراراً التخفيف فالأصل ماذا؟ الأصل التشديد، يعني أن يؤتى بنون الوقاية من، ثم جاءت ياء المتكلم جررتها قلت: مني، هذا الأصل، لكن نقول هنا: يجب –سماعاً-، يجب اتصال الحرف بنون الوقاية، حينئذٍ اجتمع عندنا نونان: من، ثم النون -نون الوقاية-، أدغمت الأولى في الثانية فقلت: منّي، وعن مثله عنّي.
واضْطِراراً: يعني لا في سعة الكلام، ليس في الاختيار، بل هو في الشعر خاصة.
واضْطِراراً خَفَّفا: يعني: خففوا بحذف إحدى النونين التي هي نون الوقاية.
مِنِّي وَعَنِّي: فقالوا: مني وعني.
بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا: من الشعراء.
ولذلك حفظ عنهم:
أَيُّها السّائلُ عنهُمْ وعَني ... لَسْتُ من قَيْسِ ولا قَيْسُ مِني
قيل: هذا مصنوع، لكن إن ثبت حينئذٍ يكون مستثنى.
إذاً انخفض الياء بحرف، فإن كان من أو عن وجبت النون، إن كان الخافض لياء المتكلم من وعن، حينئذٍ وجبت النون إلا في الضرورة على ما ذكره الشاعر، وإن كان غيرهما امتنعت يعني: لو قال: (لي) جرها بماذا؟ باللام، هل يجب أن يؤتى بنون الوقاية؟ نقول: لا، يمتنع هنا لا يجوز، إذا جرت الياء ياء المتكلم بحرف جر غير (من وعن)، يمتنع دخول نون الوقاية، فتقول: لي، وبي، وعداي، وحاشاي.
إذاً: إذا جرت بحرف جر ننظر إن كان من وعن، وجبت النون، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر
واضْطِراراً خَفَّفا مِنِّي وَعَنِّي: تعلم أن الحكم هنا مخصص بهذين الحرفين، ما عداهما يمتنع دخول نون الوقاية عليها، ولا تخفف إلا في الشعر خاصة، هذا حرف الجر، إن خفضت ياء المتكلم بمضاف ليس بحرف جر، هو الذي عناه بقوله:
وَفِي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ وَفِي ... قَدْني وَقَطْنِي الْحَذْفُ أيْضاً قَدْ يَفِي
إن كان الخافض للياء مضافاً فإن كان: لدن، أو قط، أو قد .. -هذه ثلاث- هي التي نص عليها، كل ما نص عليه في هذا الباب هو الذي يتعلق به الحكم، وما لم ينص عليه -حتى تضبطها- ما لم ينص عليه تنفي عنه.
هنا إذا أضيفت ياء المتكلم، المضاف إما أن يكون: لدن، أو قد، أو قط .. -هي التي ذكرها الناظم- ما عداها الحكم على المنع، فإن كان المضاف لدن أو قط أو قد، فالغالب الإثبات ويجوز الحذف قليلاً.
لدني، قدني، قطني: هذا هو الغالب، وأما الحذف لدن لدني، هذا ليس إثبات، هذا حذف لدنّي هذا الإثبات؛ لأن لدن مختومة بنون، ثم إذا جاءت النون نون الوقاية أدغمت فيها، فلدني هذا بنون الوقاية، قدني قطني بنون الوقاية، قدي قطي، هذا بدون نون الوقاية.
إذاً أيهما أكثر؟ الإثبات، والحذف قليل، ولا يختص بالضرورة خلافاً لسيبويه وإن كان غيرهن، -يعني غير هذه الأمثلة الثلاثة: لدن، وقد، وقط- امتنعت نحو: أبي، وأخي، وحمي .. هذه لا يؤتى بنون الوقاية، لماذا؟ لأنها ليست من الثلاث هكذا تعلل، ليست من الثلاث، وإنما إذا جرت أو خفضت ياء المتكلم بمضاف لا يؤتى بنون الوقاية إلا في ثلاث محال، ثم إذا جيء بها واتصلت بها الإثبات أكثر من الحذف فيجوز، ما عدا هذه فالسماع عدم الإتيان بنون الوقاية.
امتنعت نحو: أبي وأخي.