إذاً: فِي اخْتِيَارٍ في سعة الكلام لا يجيء الضمير المنفصل متى؟ إذا تأتى –أمكن- أن يجيء الضمير المتصل، كذلك سكون وقف، إذا تأتى أن يجيء ويثبت الضمير المتصل.
كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، لماذا؟ لما فيه من الاختصار المطلوب الموضوع لأجله الضمير، لأن القاعدة الكبرى التي تعم اللغة كلها من أولها إلى آخرها، نحوها، وصرفها، وبيانها .. قاعدة الاختصار، وما وضعت الضمائر إلا من أجل الاختصار، وما جيء بالمثنى إلا من أجل الاختصار، ولا جمع المذكر السالم إلا من أجل الاختصار، ولا ما جمع بألف وتاء إلا من أجل الاختصار والضمير منه، الضمير داخل في هذه القاعدة.
لما فيه يعني الإتيان بالمتصل وترك المنفصل، نقول: هذا طرداً للقاعدة التي وضع الضمير من أجلها وهو الاختصار، فمثلاً تقول: أكرمتك، أكرمت إياك، أيهما أخصر؟ أكرمتك، خفيفة كاف حرف، أما إياك تشديد وكاف وهمزة ثقيلة، أكرمت إياك، هذا لا يجوز لغة، لماذا؟ لأنه أمكن أن تأتي بالضمير المتصل، وما دام أنه أمكن أن تأتي بالضمير المتصل أكرمتك حينئذٍ لا تعدل عنه إلى الضمير المنفصل إلا لضرورة أو معنى لا يقوم إلا بذلك، فإن لم يتأتى لك ذلك، بأن تأخر عنه عامله، أو حذف، أو كان معنوياً، أو حصر، أو أسند إليه صفة جرت على غير من هي له، فصل، يعني ثم ما يكون معنىً بلاغياً، أو خلافاً لقاعدة نحوية، فحينئذٍ يؤتى بالضمير المنفصل مع إمكان الإتيان بالضمير المتصل ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) نعبدك، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ))، نعبدُك، أمكن أو لا؟ نعم أمكن، في اللفظ أمكن، اترك المعنى، (إياك والكاف) نعبدك، نعبد إياك، فحينئذٍ أمكن الإتيان بالضمير المتصل ومع ذلك عُدِل عنه إلى الضمير المنفصل، لكن هنا لحكمة وغاية ومعنىً بلاغي وهو إفادة الحصر.
إذاً: عارض هذه القاعدة ما يجعل هذا المثال يستثنى من القاعدة ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) لما أريد الحصر والقصر على نفي العبادة عن غير الله عز وجل، وحصرها في وجودها بأن يكون المعبود الحق مفرد بالعبادة هو الله عز وجل، حينئذٍ قدم ماحقه التأخير فانفصل الضمير، ((أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ))، أريد به الحصر والقصر، ألا تعبدوه -هذا الأصل- إياهُ، ضمير، ((أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ))، لما أريد الحصر والقصر حينئذٍ انفصل الضمير.
إذاً القاعدة الأصلية التي يرجع إليها عند عدم وجود معنى يخالفها أن يقال بأنه: متى ما أمكن الإتيان بالضمير المتصل لا يعدل عنه إلى الضمير المنفصل؛ لما فيه من الاختصار المطلوب الموضوع لأجله الضمير.
فالغرض من وضع المضمرات هو الاختصار، والمتصل أخصر من المنفصل، المتصل: الكاف، والياء المنفصل، فلا عدول عنه إلا حيث لم يتأتَ الاتصال لضرورة نضم أو لغرض بياني.
وذكروا مواضع كثيرة مما يجوز الإتيان بالضمير المتصل بل قد يتعين انفصال الضمير ولا يمكن المجيء به متصلاً في مواضع كثيرة، ذكر هنا محيي الدين عشرة منها: