أن يكون الضمير محصوراً، ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ)) هنا لا يمكن، لو قيل: (ألا تعبدوه) هذا صح، لكن من جهة اللفظ، لكن هل وافق المعنى المراد من الآية؟ الجواب: لا. والبحث هنا لفظي فحسب، لا ينظر إلى المعنى، لكن إذا أردنا المعنى الذي أراده الله عز وجل وهو نفي العبادة عن غيره وإثباتها له وحده لا شريك له، فحينئذٍ صح أن يقال بأنه: لا يتأتى هنا أن يأتي بالمتصل مع كونه يمكنه من جهة اللفظ فحسب ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ)) والمثال واضح، ومثله ما ذكره الشارح: إياك أكرمت يعني: لم أكرم غيرك، ففيه إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عما عداه.
وقد جاء الضمير في الشعر منفصلاً مع إمكان الإتيان به متصلاً ولذلك قال:
(وَفِي اخْتِيَارٍ) يعني: في سعة الكلام في النثر، وأما في الشعر فالشعر له أحكامه وضروراته.
بِالْبَاعِثِ الْوَارِثِ الأَمْوَاتِ قَدْ ضَمِنَتْ ... إيَّاهُمُ الأرضُ فِي دهر الدَّهَارِير
ضمنتهم، ضمنت إياهم، عَدَل عن الضمير المتصل وهو ضمنتهم إلى ضمنت إياهم، نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القاعدة متى ما أمكن الإتيان بالضمير المتصل فلا عدول عنه إلى المنفصل البتة إلا إذا كان ثم أمر معنوي أو بلاغي، فحينئذٍ ينظر فيه في باب البلاغة.
وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا ... أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الخُلْفُ انْتَمَى
كَذَاكَ خِلْتَنيهِ وَاتِّصَالاَ ... أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالاَ
هذا استثناء، القاعدة أنه متى ما أمكن الإتيان بالمتصل لا يعدل عنه إلى المنفصل، استثنى مسألتين فيهما خلاف: اختار المصنف فيهما الاتصال، خلافاً لسيبويه - غَيْرِي - أي: سيبويه اختار الانفصال.
وَصِلْ أوِ افْصِلْ: في الأول قال: لا يأتي منع منعاً باتاً (لا يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ) أبداً لا يجيء، هذا نفي بمعنى النهي، وهنا استثنى (وَصِلْ أوِ) هذا للتخيير، لأنه قال: والخُلْفُ، بمعنى ماذا؟ بمعنى الاختلاف في الراجح من الوجهين، فدل على أن المسألة فيها نزاع وفيها خلاف كبير
(وَصِلْ) على الأصل (أوِ افْصِلْ) للطول، أيهما الأصل الوصل أم الفصل؟ الوصل، لذا قلنا القاعدة المطردة هي الوصل.
وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ
إذاً إذا قال: صل، نقول: هذا على الأصل، وقدمه على الفصل لأنه أرجح عنده، وابن مالك إذا قدم الشيء في الغالب المطرد عنده أنه يرجحه، ولذلك (أَلْ) حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو الَّلامُ فَقَطْ، دل على أنه رجح الأول؛ لأنه قدمه (أَلْ) حَرْفُ تَعْرِيفٍ، ذكر قولين، ومع ذلك هنا قدم الوصل وقال: واتِّصَالِ أَخْتَار أيد هذا، يعني أتى به من جهة المفهوم لأنه قدمه، ثم نص بالمنطوق على أنه اختار الوصل.
(وَصِلْ) على الأصل (أوِ افْصِلْ) وهذا للطول.
هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا أشْبَهَهُ: سلني إياه، سلنيه، عندنا ضميران: الياء، والهاء.
إذاً: كل منهما ضمير، والمسألة مفروضة في ماذا؟ في فعل يتعدى إلى مفعولين؛ لأننا نقول: صل أو افصل، ضمير الأول يحتمل الوصل والفصل والثاني كذلك، إذاً هما ضميران يتعين في هذا أن تكون المسألة مفروضة في ضميرين.