وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ: تقتضي: يعني: تطلب، القضاء هنا بمعنى الطلب، أو بمعنى الحكم، قد يأتي القضاء بمعنى الحكم وبمعنى الطلب، تقتضي، أي: هذه الألفية، يعني: تطلب من الله، هكذا قدره بعضهم، أو من قارئها، أو منهما معاً، إما من الله تطلب الرضا، وإما من قارئها طالب العلم، أو مقرئها، أو منهما معاً، يعني: من الله تعالى ومن قارئها، وإسناد الطلب إليها مجاز عقلي، كيف تطلب هي من الله؟! هي ألفاظ ترفع يديها وتدعو الله عز وجل، نقول: لا، هذا إسناد عقلي، يعني: مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب، إذ الطالب في الحقيقة ناظمها، هو ناظمها وهو الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى.
وتقتضي رضاً، أي: محضاً، رضاً بكسر الراء، وهو سماعي، كضم سين: سخط، وسكون خائه، والقياس الفتح؛ لأنه من باب فرح يفرح، وتقتضي، أي: هذه الألفية، رضاً محضاً.
بغير سخط، يعني: لا يشوبه شيء من السخط، سواء كان من الله تعالى إذا كان الطلب من الله، أو كان من القارئ، فلن يسخط عليه أبداً، ولذلك قل أن يوجد نقد لابن مالك رحمه الله تعالى إلا في موضعين اثنين لا يكاد الجواب عنهما أن يتم:
وكلمة بها كلام قد يعم ... يأتينا غداً إن شاء الله
ولذلك قال السيوطي: هذا من أمراضه التي لا دواء لها، يعني: لا يمكن الإجابة عنها، وجرت عادتهم أنهم في المصنفات المختصرات أنها مجلة ومحترمة ومعظمة، يعني: لا يكثر النقد إليها، لأنه إذا انتقدت وورد فيها الانتقادات العشر والمائة والألف سقطت هيبتها، إذاً: نحن نريد أن نحفظ المتن من أجل ماذا؟ أن نضبط العلم، ونمدحها من أجل أنها تجمع لنا العلم الذي صنف فيه هذا الكتاب، فإذا انتقدناها ما تركنا فيها شاردة ولا واردة ما بقي لها حرمة.
فلذلك من عادتهم أنهم ولو من باب التكلف أن يجيبوا عن أي اعتراض، وهذه سنة متبعة عند المؤلفين، ولا بأس بها، لكن لا يصل إلى حد التكلف الذي يكون بعيداً، إن أجيب بإجابات مقبولة واعتذارات قريبة لا بأس بها، وأما التنطع وتنزيه المصنف عن أن يقع في خلط هذا فيه تكلف.
ولذلك شراح الألفية على ثلاثة أنحاء:
متعصبون لابن مالك رحمه الله، وبعضهم يحط من شأنه، وبعضهم معتدل كابن عقيل رحمه الله تعالى.
وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ، يعني: رضاً تام لا يشوبه شيء من السخط، وهذا علامة الإتقان أنه قد أتقن هذا النظم على الجادة.
فائققةٍ .. فائقةً .. فائقةٌ: يجوز فيه الأوجه الثلاثة، فائقةً: هذا على أنه حال من فاعل تقتضي، تقتضي: هذا فعل مضارع، مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي يعود إلى الألفية.
تقتضي هذه الألفية ماذا؟ وتقتضي رضاً بغير سخط حالة كونها فائقةً ألفية ابن معطي، فائقةٍ بالجر، وأستعين الله في ألفية فائقةٍ: على أنه صفة لألفية، فائقةٌ: وهي فائقةٌ، على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
فائقة: أي: عالية في الشرف، يعني: فاقت ألفية ابن معطي، وكان قبل تأليف الإمام مالك رحمه الله تعالى ألفيته هي التي لها الراية، وهي التي يحفظها طلاب العلم، ولكن لما ألف هذه قضت على تلك، كالزاد مع المقنع، كان الأصل هو المقنع لابن قدامة رحمه الله تعالى، فلما ألف الحجاوي الزاد حينئذٍ لم يترك له شاردة.