أي: عالية في الشرف، وإنما فاقتها؛ لأنها من بحر واحد، من الرجز كلها من أولها إلى آخرها، بخلاف ألفية ابن معطي فإنها من بحرين السريع والرجز، وهذا يشوش على الطالب.

كذلك هذه الألفية أكثر أحكاماً من ألفية ابن معطي، وهذه جرت عادة أهل العلم أنهم في مثل الألفيات أو المختصرات أنهم يقارنون ما كتبوه بما سبق، ولذلك السيوطي هناك يقول:

وهذه ألفية تحكي الدرر

فائقةً ألفية العراقي ... منظومة ضمنتها علم الأثر

في الجمع والإيجاز واتساقِ

نفس الكلام؛ لأن العراقي هو سابق وهو متأخر، والقاعدة عند أرباب المختصرات إذا أراد الطالب أن يميز بين مختصرين أو نظمين أيهما أجود ولا يقع في نزاع؟ أن الثاني المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف فالاشتغال بكتابه أولى، المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف، وبلغ الغاية في الفن الذي نظم أو كتب، فالاشتغال بكتابه أولى.

ولذلك ابن معطي هنا مع وجود ألفيته وهي مطبوعة ومشروحة .. مع ذلك تركت واشتغل بألفية ابن مالك، وهو متأخر بعده، وجمع في هذه الألفية ما تركه ابن معطي؛ لأن الناقد بصير، وهو قبل أن ينظم لا بد أنه نظر في من سبقه، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد وأنه يستدرك ما قد فوته الأول، ولذلك ألفية السيوطي مرجحة على ألفية العراقي، لماذا؟

أولاً: لأنه متأخر، ولأنه أهل للتصنيف ولو كان في هذا الفن، ثم أن العراقي أسبق منه وإن شرحت ألفيته من جهته هو أو من جهة السخاوي، نقول: هذان الشرحان لا يتعلقان بالنظم نفسه؛ لأن الترجيح إما أن يكون لذات الشخص، وإما أن يكون لذات النظم، وإما أن يكون لما كتب على النظم أو المتن نفسه، حينئذٍ إذا نظر إلى الشخص هوالشخص .. نحن نقول: لا نريد أن نحفظ العراقي نفسه ولا السيوطي، وإنما نريد ما ألفه العراقي وما ألفه السيوطي.

إذاً: ننظر بتجريد المتنين عن أصحابهما، فننظر في المتن نفسه هل هو فائق بالفعل ألفية العراقي أو لا؟ ثم ما كتب على ألفية العراقي نقول: يمكن تجريده وجعله على ألفية السيوطي، أليس كذلك؟ السخاوي رحمه الله تعالى شرحه إما أنه يتعلق بلفظ بالمتن، وإما أنه لفائدة وحكم ومسألة بالمصطلح، الثاني هذا يمكن جعله على ألفية السيوطي، وأما الأول فلا علاقة لنا به، لماذا؟ لأن كل تركيب يحتاج إلى حل يختص به.

على كل، قال هنا:

فائقةً ألفية ابن معطي، حينئذٍ رجحت ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى لهذين النظرين: أن ألفيته من بحر الرجز، كلها من أولها إلى آخرها، وأما ألفية ابن معطي فإنها اشتملت على بحرين السريع والرجز، كذلك هذه أكثر فائدة، يعني: أشمل من جهة الأحكام النحوية من ألفية ابن معطي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015