مَا لَمْ يُضَفْ، أي: مدة عدم الإضافة والردف لـ (أل)؛ لأن النفي مع العطف بـ (أو) يفيد نفي كلٍ، يعني: لابد منهما، فهو من عموم السلب.
مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ، يعني: تبع، هل فيها زيادة معنى أم حشو؟ لأنه إذا قال: مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ، إذا كان بعده (أل) لا يُعقل منه إلا أنه رِدْفَ (أل)، حينئذٍ (رَدِفْ) ما الفائدة منه؟ قيل: حشو، حينئذٍ لا فائدة منها، ولكن الصواب أنها لها فائدة، ليس حشواً؛ لأن البعدية لا تقتضي الاتصال، إذا قيل بعده -بعد (أل) - يحتمل بفاصل، آتيك بعد العصر، آتيك بعد العشاء، يعني: إذا قلت: بعد العصرِ، آتيك الساعة التاسعة ليلاً، بعد العصرِ أو لا؟ بعد العصر، بل لو أتيتك بعد الفجر بعد العصر، بعد أسبوع أيضاً بعد العصر، صحيح أو لا؟ نعم، فالبعدية لا تقتضي الاتصال، هنا قال: بَعْدَ ألْ رَدِفْ، لكن هنا (أل) بالنظر لا توجد (أل) وما بعدها إلا متصل بها، فالإشكال ما زال وارداً.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا ... رَفْعَاً وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا
وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ ... كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَِمَهْ
لما فَرَغ من مواضع النيابة في الاسم، شرع في مواضعها في الفعل؛ لأنَّا قلنا: أبواب النيابة سبعة: خمسة في الأسماء، واثنان في الأفعال، انتهينا من أبواب النيابة في الأسماء، شرع في الأفعال.
فقال: وَاجْعَلْ لِنَحْوِ، وَاجْعَلْ: هذا أمر، لِنَحْوِ، يعني: لمثل، فدل على أنه لم يتتبع كل الأفعال، وهذا الباب المسمى عندهم بباب الأمثلة الخمسة، مثال يعني الوزن، ولا نقول الأفعال الخمسة؛ لأنها ليست كالأسماء الستة، الأسماء الستة أسماء معينة بإزاء معانٍ: أبٌ أخٌ حمٌ .. إلى آخره.
أما الأمثلة الخمسة فهي أوزان، وزن: يفعلان، ثم يدخل تحته: يأكلان ويشربان إلى آخره، حينئذٍ نقول: ليس المراد هو عين الآحاد -الفعل- وإنما المراد الوزن الذي يأتي عليه الفعل، وهذه محصورة في خمسة -في الجملة-.
إذاً الأمثلة الخمسة تعبير أولى من الأفعال الخمسة؛ لأنها ليست ألفاظاً معلومة بخلاف الأسماء الستة وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها، فإنَّ يفعلان كناية عن يذهبان، يفعلان: وزن، ويذهبان: موزون، وزنٌ وموزون، ميزان، فيفعلان وتفعلان ويفعلون نقول هذا وزن، ويذهبون ويذهبان وتذهبان نقول هذا موزون، فرق بين الوزن والموزون، والكلام هنا –الباب- في أيٍّ في الوزن أو في الموزون؟ في الوزن نفسه، حينئذٍ صارت خمسة.
وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها، فإن يفعلان كناية عن يذهبان ونحوه، وسمِّيت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبَين والأحسن أن تعد ستة، بل عدها بعضهم ثمانية كما سيأتي.