وأشار بقوله: (وَقَرْنَ نُقِلاَ) إلى قراءة نافع وعاصم: (وَقَرْنَ)، إذاً: (قَرْنَ) بفتح القاف معناه: أن العين حُذِفَت مع حركتها من باب (ظَلْتُ)، (قِرْنَ) فرقٌ بين (قِرْنَ) و (قَرْن)، إذا قلت (قِرْنَ) معناه: حُذَِفَت العين بعد إسقاط حركتها .. بكسر القاف، وإذا قلت: (قَرْنَ) حينئذٍ حُذِفَت العين مع حركتها.
بفتح القاف وأصله: (اقْرَرْنَ) من قولهم: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بِمعنى: يَقِرُّ، حكاه ابن القَطَّاع، ثُمَّ خُفِّفَ بالحذف بَعَد نقل الحركة وهو نادرٌ، لأنَّ هذا التَّخفيف إنَّما هو للمكسور العين، ولكن لا، قيل: أنَّه مِمَّا سبق.
إذاً:
ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلاَ ..
معناه: أنَّه اسْتُعْمِل هذا التَّخفيف في فعل الأمر كذلك فقيل: (قِرْنَ) بكسر القاف وهي قراءة غير نافع وعاصم في قوله تعالى: ((وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب:33].
وقوله: (وَقَرْنَ نُقِلاَ) إشارةً إلى قراءة نافع وعاصم، (وَقِرْنَ) بالكسر أصله من: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، فلمَّا اتَّصَلت نون الإناث بالفعل خُفِّفَ بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه.
وأمَّا: (قَرْنَ) -هذا مَحلُّ الإشكال هنا-، وأمَّا (قَرْنَ) بالفتح فهو من (قَرِرْتُ) بالكسر من باب (فَعِلْتُ): قَرِرْتُ بالمكان أَقِرُّ، بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، فَفُعِل به ما تَقدَّم في الكسر من الحذف والنَّقل فهما لغتان فصيحتان.
إذاً: (قَرْنَ) أصله من باب: قَرَّ يَقِرُّ، بالكسر فيهما، وهما لغتان فصيحتان، ما دام أنَّه وردت بها القراءة فتثبت.
إذاً حاصل ما ذكره النَّاظم هنا: أنَّ التَّخفيف واقعٌ في هذا وذاك، فيما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد وهو ثلاثي مكسور العين إذا أُسْنِدَ إلى تاء الضَّمير أو نونه، حينئذٍ جاز لك ثلاثة أوجه:
- جاز فيه التَّخفيف، إمَّا بالفكِّ وهذا هو الأصل .. فك الإدغام.
- وإمَّا بنقل حركة العين إلى ما قبلها ثُمَّ تُحْذَفْ.
- وإمَّا حذفها بحركتها.
ثُمَّ قال رحمه الله تعالى: (الإِدْغَامُ).
يُقال: (الإِدْغَامُ) بسكون الدَّال مصدر: أَدْغَمَ، (والإِدِّغَامُ) بالتَّشديد، وقيل الأول عبارة الكوفيين، والثانية عبارة البصريين، وهو في اللغة: الإدخال، أَدْغَمْتَ الشَّيء في الشَّيء: أدخلت الشَّيء في الشَّيء.
واصطلاحاً: إدخال حرفٍ في حرف، وهو على ثلاثة أنواع:
واجب وجائز، وواجب الإدغام، وواجب الإظهار، وجائز الوجهين.
إمَّا أن يكون الإدغام واجب، وإمَّا أن يكون الإظهار واجب، يعني: عدم الإدغام، وإمَّا أن يكون جائز الوجهين، والأحكام ثلاثة:
أشار إلى الأول بقوله:
أَوَّلَ مِثْلَيْنِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . .
(كِلْمَةٍ أَدْغِمْ) هذا الأصل، حُذِفَت الهمزة من باب التَّخفيف.
يعني: أنَّه إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة مثلان مُتحرِّكان وجب إدغام الأول في الثاني بعد سَلْب حركة الأول حركته، لأنَّه لا بُدَّ من أن يكون المثلان أولهما ساكن والثاني مُتحرِّك، فإذا كانا مُتحرِّكين وجب إسقاط حركة الأول، ثُمَّ إدغامه في الثاني.