لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ ..
أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ ليس بجائز، يعني لا تقل: قَاَلَ زَيْدٌ اضْرِب .. هذا لحنٌ، بل يجب إسقاط همزة الوصل، لأنَّه قال: (لاَ يَثْبُتُ) هذا نفي، حينئذٍ يكون في معنى النَّهي. أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ، ولكن قد تثبت في الوصل ضرورة، كما أنَّ همزة القطع توصل في الشِّعْر من باب الضرورة، كُلٌّ منهما يعامل معاملة الآخر في الشعر على جهة الخصوص، وأمّا في النَّثر فلا، همزة الوصل يجب أن تبقى همزة وصل ولا تُقْطَع في أثناء الكلام، وهمزة القطع كذلك تبقى همزة قطعٍ ولا تُوصَل في أثناء الكلام، ولذلك قال: (لاَ يَثْبُتُ) يعني: يجب أن تُحْذَف هذه الهمزة في دَرْج الكلام .. في وصل الكلام، والسَّبب ما ذكرناه: أنَّها إنَّما جيء بها لِعِلَّة .. لغرض وهو التَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، وهنا قد تَمَكَّنا من الابتداء بالسَّاكن، لم ننطق بالسَّاكن: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، الضَّاد هنا جاء قبله دالٌ وهي مضمومة وكذلك مُنَوَّنة، إذاً: لم نبتدئ بساكن، فذهبت الغاية من الإتيان بهمزة الوصل.
وَفُهِم من البيت: أنَّها لا تَخْتَصُّ بِقَبِيلٍ، يعني قوله:
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ. . . .
ما قال: في الحرف، ولا في الفعل، ولا في الاسم ما قَيَّده، حينئذٍ لا تَخْتَصُّ بواحدٍ من هذه الثلاث، فلا بُدَّ من الرُّجوع إلى مواضعها التي نَصَّ عليها النُّحاة بأنَّها تكون فيها.
إذاً فُهِم من البيت: أنَّها لا تختصُّ بقبيلٍ بل تدخل على الاسم والفعل والحرف، (الحرف) هذا أطلقه المكودي لكن فيه نظر. أُخِذَ ذلك من إطلاقه، وأمَّا المثال (اسْتَثْبِتُوا) هذا فعل، هل يُخَصِّص؟ المثال لا يُخَصِّص، لكن القول هنا: بأنَّه لا يُخَصِّص، هذا إذا أُرِيد التَّعميم فقط وإلا ما جرى عليه النَّاظم لا، إنَّما يُعطي الأحكام بالأمثلة، فإذا جرينا على عادة المصَنِّف نقول: ظاهره أنَّها مُخْتَصَّةٌ بالفعل (اسْتَثْبِتُوا) لكن يُجَاب: بأنَّ الأمر عام هنا، الحرف الأصل فيه أنَّ همزته همزة قطع ليست وصلاً، ثُمَّ الاسم هذه محفوظة، ثُمَّ الفعل هو كما سبق أصلٌ في التَّصريف.
فدخول همزة الوصل - وقلنا: هذا الفصل تابعٌ لباب (الْتَّصْرِيِفْ) - إذاً: دخول همزة الوصل في الأفعال دخولاً أولياً، فأكثر ما توجد في الفعل وإن وُجِدت في الاسم كالمصدر قياساً .. المصدر من الخماسي، إلا أنَّ أكثر وجودها وأكثر ما يحتاجها هو الفعل.
على كُلٍّ قوله: (كَاسْتَثْبِتُوا) ليس تقييداً بهمزة الوصل، بأنَّها لا تكون إلا في الفعل، يُمكن أن يُسْتَثَنْى هذا الكلام وما كان على شاكلته، بأنَّ النَّاظم لم يُرِد تخصيص الحكم بما ذكره مثالاً، إنَّما ذكر مثال: (اسْتَثْبِتُوا) هذا أمر للجماعة بالاستثبات، وهو تحقيق الشيء.
ويمتنع إثباتها في الدَّرج إلا لضرورة، ولذلك سبق معنا أنَّ همزة الوصل قد يُنْطَق بها همزة قطع في أثناء الشِّعر.
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا