قال الشَّارح: " لا يُبْتَدأ بساكنٍ " هذا أمر مُتَّفق عليه في الجملة، وإن كان بعض المسائل نازع فيها بعض الصَّرفيين، وإلا في الجملة لا يُبْتَدأ بساكن، يعني: لا يُفْتَتَح النُّطق بساكنٍ، وأمَّا ابتداء الكلمة بساكنٍ في أثناء الكلام هذا واقع، وما سقطت همزة الوصل في الدَّرْج إلا لإمكان النُّطق بكلمة أولها أن يكون ساكناً.

إذاً قوله: " لا يُبتَدأ بساكن " هذا يعني: في أول الكلام .. أن يُنْطَق بالسَّاكن في أول الكلام، كما لا يوقف على مُتَحَرِّك، إلا ما ذكرناه في اللغة السابقة، أنَّ بعضهم في التَّنوين يقول: جَاَءَ زَيْدُ .. رَأَيْتُ زَيْدَا .. مَرَرْتُ بِزَيْدِ، قلنا: لغة أزد أو كذا.

فإذا كان أول الكلمة ساكناً .. عمَّ الشَّارح هنا لئلا يُخَصِّص دخول همزة الوصل بقبيلٍ دون آخر، فإذا كان أول الكلمة ساكناً وجب الإتيان بهمزةٍ مُتحرِّكة، وهل هذه الهمزة المُتحرِّكة اجْتُلِبَت ابتداءً مُتحرِّكة أو ساكنة ثُمَّ حُرِّكت؟ هذا محل نزاع، يعني إذا قيل بأن: اضْرِب، الضَّاد هنا لا يُمكن الابتداء بالسَّاكن، جئنا بهمزة الوصل .. همزة الوصل حرف.

حينئذٍ همزة الوصل حرفٌ، هل اجتلبناها ساكنة؟ لأنَّها مبنية:

وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ..

ثُمَّ التقى ساكنان: همزة الوصل والضَّاد فَحُرِّكت الهمزة .. أو أنَّنا مُباشرة اجْتَلَبناها مُتَحَرِّكة؟ هذا محل نزاع، لكن الظَّاهر أنَّها اجْتُلِبَت ساكنةً، لأنَّ لها سبعة أحوال كما سيأتي، وهذا يدل على أنَّها ليست بثابتة، لو كانت مُجْتَلَبة مُتَحَرِّكة حينئذٍ فيه نوع إشكال، وأمَّا إذا قيل بأنَّها ساكنة ثُمَّ تُحَرَّك للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ثُمَّ هذا التَّحريك قد يكون بالكسر، وقد يكون بالفتح، وقد يكون بالضَّمّ، وقد يكون بالإشمام .. سبعة أحوال، وقد يجوز وجهان ويَتَرجَّح أحد الوجهين؟ سيأتي.

إذاً: وجب الإتيان بْهمزةٍ مُتَحَرِّكةٍ، وظاهر كلام ابن عقيل أنَّها مُجْتَلَبة بحركتها مباشرة، يعني: جاءت جاهزة لا نحتاج إلى أن نُحَرِّكها، وجب الإتيان بهمزةٍ مُتَحَرِّكة تَوَصُّلاً، لذلك سُمِّيت همزة وصلٍ، هذا على مذهب البصريين وهو أجود.

تَوَصُّلاً للنُّطق بالساكن، فتُسَمَّى هذه الهمزة: همزة وصلٍ، وشأنها أَنَّها تَثْبُت في الابتداء وتسقط في الدَّرْج نحوُ: (اسْتَثْبِتُوا) .. نحوِ (اسْتَثْبِتُوا) لك هذا وذاك. أمرٌ للجماعة بالاستثبات، وما يثبت فيهما فهو همزة قطع، يعني: ما يثبت في ابتداء الكلام وفي الدَّرج فهو همزة قطعٍ، ولكن نقول: يشتركان في الابتداء وتفارق همزة الوصل همزة القطع بكونها تسقط في دَرْج الكلام دون همزة القطع.

ثُمَّ انتقل إلى بيان مواضع همزة الوصل وهي ستَّة: منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، منها ما هو قياسي .. يُقَاس عليه، ومنها ما هو سماعي، وهي ستَّة، وبدأ بالفعل، لأنَّه الأصل في استحقاقها، ولذلك مَثَّل النَّاظم بالفعل دون الاسم.

قال النَّاظم في الموضع الأول:

وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015