يعني: أنَّ همزة الوصل هي الهمزة السابقة التي تثبت في النطق ابتداءً في أوَّل الكلام، لأنَّ هذه وضيفتها الأصل .. أنَّها للتَّمكُّن من الابتداء بساكن، وأمَّا في وصل الكلام فلا حاجة لهمزة الوصل، وتسقط وصلاً لانتفاء الغاية والحكمة والغرض الذي من أجله اجْتُلِبَت همزة الوصل.
وإنَّما سُمِّيَت همزة وصلٍ اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً، لأنَّه إذا قيل: هذه العِلَّة بأنَّها تسقط وهذا محل وفاق .. أنَّها لا تثبت إلا ضرورةً في الشِّعْر خاصة، وأمَّا في كلام النَّثْر وغير الضرورة فتسقط همزة الوصل.
إذاً: إذا لم تكن لوصل الكلام بعضه ببعض لماذا سُمِّيت همزة الوصل؟! التَّسمية هنا منافية، إذا كانت همزة الوصل إنَّما جيء بها للابتداء بالسَّاكِن في أول الكلام، ثُمَّ هي غير موجودة في وصل الكلام، لماذا سَمَّيناها بهمزة الوصل؟ قالوا: اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً .. من باب التَّوسُّع - غريب هذا! -.
لأنَّ هذه الهمزة تسقط في الوصل.
إذاً: باعتبار سقوطها سُمِّيَت همزة الوصل، ويمكن أن يُقَال في هذه العِلَّة: بأنَّه لتمييزها عن همزة القطع، لأنَّ همزة القطع تبقى في الوصل بخلاف همزة الوصل، حينئذٍ هذه الهمزة التي في: اضْرِب، هذه منطوقٌ بها لا شك، حينئذٍ إذا وُصِلَت في الكلام سقطت .. غير موجودة، سَمَّيناها في حالة السقوط لا في حالة الثُّبوت، سَمَّيناها باسمٍ يُطابق فعلها وهو العدم في حالة الوصل دون الثبوت، لماذا؟ لأنَّها في الأول .. في الثُّبوت لا تفارق همزة القطع، إلا من حيث الكتابة أمَّا النطق فلا، ومن حيث الوصل فارقت همزة القطع فَسُمِّيت بذلك .. سُمِّيَت للفرق بينها وبين همزة القطع.
وقيل: بأنَّ الكلمة التي قبلها تَتَّصِل بِما دخلت عليه همزة الوصل لسقوطها، وهذا قول الكوفيين، لكن كُلَّ الكلمات مُتَّصلة .. كل الكلمات والكلام بعضه ببعض متصل، همزة الوصل إذا سقطت أصلاً هي ليست من الكلمة، فقيل: سُمِّيت همزة وصلٍ، لأنَّه إذا وصل الكلام سقطت هذه الهمزة فَوصِل ما قبلها بما بعدها، وإذا لم تكن ثَمَّ همزة وصل .. الكلام غير موصول؟! لا، هذه العِلَّة فيها نظر.
وقيل: لأنَّ المُتكلِّم يَتَوَصَّل بها إلى النطق بالسَّاكن، وهذا قول البصريين، إذاً: همزة الوصل، الوصل ليس وصل الكلام وإنَّما من التَّوصُّل، يَتَوسَّل بها النَّاطق والمُتكلِّم للابتداء بالسَّاكِن، على هذا القول لا اعتراض فَسُمِّيت: همزة وصلٍ، لأنَّ المُتكلِّم تَوَصَّل بهذه الهمزة للنُّطق بالسَّاكن، هذا جيد وهذا قول البصريين.
وَفُهِم من قوله: (هَمْزٌ) أنَّ همزة الوصل أُتِي بها همزةً خلافاً لمن قال هي في الأصل ألف، هل هي ألف ثُمَّ حُرِّكت، أمَّ أنَّها همزةٌ ابتداءً؟ قول النَّاظم هنا: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) إذاً: سَمَّاها همزة، إذاً: ليست ألفاً، وهذا هو المشهور من قول النُّحاة، بأنَّ هذه الهمزة همزة ابتداءً وانتهاءً، وليست في الأصل ألفاً ثُمَّ قُلِبت همزة.
وَفُهِم من قوله (سَابِقٌ): أنَّها لا تكون إلا أولاً (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ) يعني: لا تكون إلا في أول الكلام، لا تكون في أثنائه ولا تكون في طرفه، بل لا تكون إلا في أول الكلام.
وَفُهِم من قوله: