وشرط الاستعلاء المُتقدِّم: أن يكون مُتَّصلاً بِها نحو: صالح وضامن وظالم إلى آخره، أو ينفصل بحرفٍ نحو: غنائم، إلا أن يكون مكسوراً نحو: طِلَاب.
وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ أَجْفُو
وخلاصة ما سبق: أنَّ هذه الموانع الثمانية لا تَمنع جميع أسباب الإمالة، بل تمنع الإمالة إذا كان سببها كسرةٌ ظاهرة أو ياءٌ موجودة، وكان بعد الألف حرفٌ من أحرف الاستعلاء، وكان حرف الاستعلاء مُتَّصلاً أو مفصولاً بحرفٍ أو حرفين، أو كانت الرَّاء مضمومة أو مفتوحة، وأشار إليه بقوله:
وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِمَاً لاَ أَجْفُو
يعني: الموانع من الإمالة قد يعرض لها ما يمنعها – (منع المانع) هذا موجود عند الأصوليين - يعني: يوجد المانع ويأتي ما يَمنعه من تأثيره.
ثُمَّ إنَّ من الموانع من الإمالة قد يعرض ما يمنعها، ولذلك أشار بقوله: (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) هذا مصدر مضاف إلى مفعول مبتدأ، (كَفُّ مُسْتَعْلٍ) (كَفُّ) مصدر .. كَفُكَّ أنْتَ، (مُسْتَعْلٍ) يعني: حرفٍ مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) وراً .. بالتنوين ويُحذف للوصل بنية الوقف (وَرَاً)، (يَنْكَفُّ) هذا خبر .. (يَنْكَفُّ) هو، يعود على ماذا؟ ما هو الذي (يَنْكَفْ)؟ (مُسْتَعْلٍ) قلنا: حرف الاستعلاء والرَّاء إذا وُجِدت منعت، قد يوجد ما يمنع تأثير حرف الاستعلاء، حرف الاستعلاء مانع من الإمالة، قد يأتي ما يمنع منع الإمالة لهذا الحرف.
إذاً: (كَفُّ) حرف الاستعلاء الأصل فيه: أنَّه يُؤَثِّر إذا وُجِد، لكن يوجد ما يمنعه، (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) كَفُّه مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) هذا معطوف على (مُسْتَعْلٍ)، (يَنْكَفُّ بِكَسْرِ رَا) كقولك: لاَ أجْفُو غَارِماً (غَارِماً لاَ أَجْفُو)، يعني: أنَّه إذا وقعت الرَّاء المكسورة بعد الألف كَفَّتْ مانع الإمالة سواءٌ كان حرف استعلاء أو راءً غير مكسورة، يعني: الرَّاء المكسورة تمنع تأثير الحروف الثمانية السَّابقة من منع الإمالة.
إذا وقعت الرَّاء المكسورة بعد الألف كَفَّت مانع الإمالة، سواءٌ كان حرف استعلاء، أو راء غير مكسورة، فَيُمَال نحو: ((عَلَى أَبْصَارِهِمْ)) [البقرة:7] (أَبْصَارِهِمْ) لو نظرنا إلى حرف الاستعلاء (الصَّاد) وقع قبل الألف إذاً: هو مانع، جاءت الرَّاء بعد الألف مكسورة، منعت تأثير الصَّاد في منع الإمالة فَيُمَال .. رجع إلى الأصل، كأنَّها أبطلت مفعول الصَّاد فلا تأثير لها.
و (غَارِم) مِمَّا ذكره النَّاظم: (كَغَارِماً) الغين قبل الألف كفَّت الألف عن الإمالة، لكن جاءت الرَّاء المكسورة فَكَفَّت تأثير الغين، و (ضَارِب) الألف هذه تُمْنَع لوجود الضَّاد، وهي من حروف الاستعلاء، جاءت بعد الألف راء فمنعت تأثير المانع الذي هو حرف الاستعلاء، و (طارق) ونحو: ((دَارُ الْقَرَارِ)) [غافر:39] كذلك، قَرَارِ ألف قبلها راء مفتوحة، الراء المفتوحة تمنع، (قَرَارِ) راء مكسورة، الرَّاء هنا منعت نفسها، ولذلك يقول المكُودِي: "ومن العجب أنَّ الرَّاء المكسورة تَكُفُّ نفسها إذا كانت مفتوحة".